ومن مدن الحجاز المهمة مدينة "يثرب" الواقعة على سهل مرتفع، وعلى بعد يقارب 500كم شمال مكة. وفي الشمال منها يقع جبل أحد ثم جبل سلع، بينما يقع في جنوبها الغربي جبل عير. وإلى الغرب منها تنحدر الأرض انحدارًا سريعًا نحو ساحل البحر الأحمر الذي يبعد عنها أكثر من بعده عن مكة. وفي جنوبها الغربي يمتد وادي العقيق فيما بينها وبين الفُرع. والفُرع من المدينة على أربعة أيام جنوبها كما يقول ياقوت الحموي. وفي العقيق آبار هي أعذب ما في تلك الديار من مياه1, وتحيط بالمدينة لابتان بركانيتان تعرفان بالحرتين، حرة واقم في الشرق، وحرة الوبرة في الغرب. ولذا فإن التربة البركانية تنتشر في أطرافها، وتجعل منها أراضيَ خصبة صالحة للزراعة2، لا سيما وأن أراضيها تتصل بوديان كثيرة تحيط بالمدينة من جهاتها الأربع، الأمر الذي يجعل منها واحة تتسرب إليها المياه السطحية الجوفية، ويؤدي اجتماعها في الأمكنة المنخفضة إلى تكوين المستنقعات، وإلى تكاثر الحميات المرزغية3. غير أن توفر المياه, وخصب تربتها قد ساعداها على الزراعة، وعلى قيام نوع من حياة الاستقرار فيها، لا سيما وأنها من المحطات التجارية التي كانت القوافل تقضي بعض الوقت فيها.
كان اسمها القديم "يثرب" وقد عرفت به في الكتابات المعينية القديمة، وهذا دليل على قدمها، كما هو دليل على أن علاقات ما كانت تربطها بالدولة المعينية، وربما كانت