...
الدولة التدمرية
نشأت تدمر في الظروف نفسها التي نشأت فيها دولة الأنباط بصفتها محطة تجارية في واحة تقع في طرف البادية، التي تفصل الشام عن العراق، وتحيط بها مناطق صحراوية، وهي تقع إلى الشرق من مدينة حمص على بعد لا يتجاوز 165كيلومترًا عنها. وكان لموقع المدينة على طرق القوافل التي تسير بين بلاد الشام والعراق، ولوجود آبار المياه العذبة والحلوة ومجاري المياه المعدنية فيها فضل كبير على نشوئها وارتقائها من محطة للقوافل إلى مدينة عامرة، بعد أن استقرت فيها بضع قبائل عربية لم يتأكد بعد المكان الذي أتت منه، إنما يعتقد بعض المؤرخين المحدثين أنها أخذت تسكن شرقي إقليم كنعان بعد سقوط الدولة البابلية، وبدأت تتعلم التكلم والكتابة باللغة الآرامية1. كما أثرت في نشوئها عوامل سياسية، ذلك أنها كانت تقع بين إمبراطوريتين كبيرتين: البارثية Parthia والرومانية المتعاديتين، فحافظت على توازنها واستقلالها بينهما زمنا طويلا، مستغلة موقعها المنعزل في قلب الصحراء، وصعوبة وصول الفرق الفارسية والرومانية إليها لإخضاعها2، وحرص كل من الطرفين على استمالتها لجانبه.
على أن أهميتها وازدهارها كانا بين مد وجزر تبعًا لميزان العلاقة بين حكام العراق وفارس من آشوريين وبارثيين وساسانيين من جهة، وبين حكام سورية من سلوقيين ورومان من جهة أخرى. إذ كانت تتقدم وتزدهر عندما تتمكن إحدى هذه الدول من السيطرة على المنطقة برمتها من البحر المتوسط إلى العراق، وتصبح تدمر عقدة المواصلات بين الشرق والغرب، فتنتعش انتعاشًا كبيرًا، لكنها تتأخر عندما تسوء العلاقات بين حكام