سكن البتراء الحوريون والآدميون حتى أواخر القرن السادس قبل الميلاد. وفي حوالي سنة 500ق. م، قدم الأنباط -وهم عرب رحل لا يعرف على وجه التدقيق الموطن الذي أتوا منه، وربما كان مجيئهم من شمالي الحجاز أو من أواسط الجزيرة العربية- وهاجموهم وغلبوهم على أمرهم، وانتزعوا منهم أراضيهم، وتمثلوهم ودمجوهم في الدولة العربية التي أقاموها فيما بعد، والتي دامت أكثر من خمسة قرون، واستمدت نسغ الحياة والقوة من التجارة، وكان لموقعها الحصين أثر كبير في بقائها على قيد الوجود مدة طويلة.
ويظهر أن الأنباط قد ثابروا في بادئ الأمر على نمط حياتهم البدوية من حيث حياة الترحل والرعوية، وكره الزراعة والصناعة، ولم يألفوا حياة الحضارة إلا بعد قرنين من الزمن بعد قدومهم، وقد تلاءموا مع هذه الحياة تدريجيًّا، حتى جذبتهم الحضارة إلى رحابها، إذ وجدوا فيما تتطلبه القوافل من خدمة، وما تأتي به من سلع تجارية يسهمون في تصريفها، وسيلة مجدية للربح وكسب العيش، فاستقروا وما لبثوا أن أقاموا دولة منظمة وحكموا بلادهم على أساس النظام الملكي، وضربوا النقود واستوزروا الوزراء1،