أقرب إلى الأتباع منهم إلى حلفاء أو أصدقاء البيزنطيين- لتأديب ملك اليمن. فأرسل النجاشي 70 ألف مقاتل بقيادة القائد "أرياط" الذي ظل يقاتل الملك الحميري حتى انتصر عليه سنة 525م، واستولى على اليمن وقضى على استقلالها وسيادتها، وأذل حمير وقتل ثلث رجالها، وبعث إلى النجاشي بثلث نسائها سبايا، بينما رمى ذو نواس نفسه في البحر وانتحر، وكان آخر ملوك حمير.
حكم بعد أرياط أحد قواده "أبرهة" الذي قتل سلفه وانتزع القيادة منه، وما لبث الأحباش أن كشفوا القناع عن وجه استعماري مقيت، فحكموا حكمًا شديدًا ضج منه الناس ودام خمسين عاما. وقد استغلوا حكمهم لليمن في نشر الديانة المسيحية في جميع أرجاء الجزيرة العربية، جنوبيها وشماليها، وفي بسط سيطرتهم الاقتصادية عليها، لا سيما في ميدان التجارة، هذا الميدان الذي بدأ عرب الشمال في اقتحامه، وبدأت تجارتهم في النمو والازدهار، وأخذت قوافلهم التجارية ترتاد طرق التجارة العربية من الحجاز حتى بلاد الشام من جهة ومن الحجاز حتى اليمن من جهة ثانية، وأصبحت مكة والمدينة مركزين لهما أهمية عظيمة في النشاط التجاري، وإن يكن هذا النشاط قد اقتصر على داخل الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر.
وقد زاد الحجاز أهميةً كونُهُ المركز الديني لعرب شبه الجزيرة لوجود الكعبة، وهي أكبر مركز ديني وثني آنذاك، فأثار هذا كله حفيظة أبرهة الحبشي، ودفعه إلى منافسة التجارة الحجازية، ومجاراة مكة في أهميتها الدينية كوسيلة لاستقطاب النشاط التجاري الداخلي لعرب الجزيرة، وتركيزه في المدن اليمنية التي يسيطر عليها الأحباش. وهذا ما حدا به إلى بناء كاتدرائية عرفت باسم "الكليس" أو "القليس" -وهي كلمة محرفة من كلمة إيكليزيا اليونانية- في صنعاء، وبالغ في تزيينها وإتقانها، وقد نقشها بالذهب والفضة وصنوف الجواهر والزجاج والفسيفساء، وأخذ يسعى لجذب العرب إلى زيارتها والعزوف عن زيارة الكعبة.
لكن العرب أظهروا تعلقهم بالكعبة وكرههم للأحباش واحتقارهم للكليس، فقام اثنان من قبيلة فقيم ووضعوا أقذارًا فيها؛ الأمر الذي جعل أبرهة يتميز غضبًا وأقسم ليهدمن الكعبة، وسار بجيش إلى مكة لينفذ وعيده في العام الذي سمي بعام الفيل