أما "إسترابون" الذي رافق الحملة، فقد ذكر أسبابًا أخرى لفشلها، إذ عزا ذلك إلى ما زعمه من خيانة الوزير النبطي صالح، الذي اتهمه بتضليل الرومان والسير بهم في طريق مقفرة، وفي أراضٍ لا زرع فيها ولا ماء، بقصد إهلاك الجيش الروماني، وقد أنحى عليه باللائمة وحمله مسئولية الإخفاق، بينما يرى "غلازر" أن مسئولية الإخفاق إنما تقع في الحقيقة على عاتق الرومان أنفسهم لجهلهم بطبيعة أراضي العرب ولغرورهم1.
لقد أثبتت حملة "إيليوس غالوس" أن الاستيلاء على اليمن عن طريق القوة ضرب من المحال؛ لذلك عدل الرومان عن هذا الأسلوب إلى آخر هو أسلوب الدسائس والمؤامرات للوصول إلى فرض النفوذ الاستعماري الروماني غير المباشر، واتخذوا الحبشة مخلب قط لتحقيق مخططهم في إخضاع اليمن. كما ثابروا على تنفيذ سياستهم المرسومة للقضاء على احتكار اليمنيين لتجارة الشرق والحلول محلهم في امتلاك مقاليدها.
وقد نجحوا في هذه السياسة إلى حد بعيد، فما أشرف الدور الأول الحميري على الانتهاء حتى بدأت قوة عرب الجنوب في الانحدار والتضعضع لاستمرار مزاحمة الرومان لهم في النشاط التجاري وعجزهم عن مقاومة هذه المنافسة. ذلك أن الرومان قد أفادوا إفادة كبرى من تجارب أسلافهم البطالمة في هذا الميدان، ومن القناة الفرعونية التي أعادوا فتحها، فتمكنوا من تسيير سفنهم في المحيط الهندي واستطاعوا الوصول إلى الهند والتزود من محاصيلها والعودة بها إلى بلادهم، فقضوا بذلك على الاحتكار اليمني لتجارة الشرق، الأمر الذي قاد الحميريين إلى طريق الانهيار الاقتصادي فالسياسي.