الاعتقاد الذي كان سائدًا لدى المؤرخين من قبل بأن تاريخ العرب قبل الإسلام لا يمتد إلى أكثر من 200 سنة قبل الرسول, بل عادت بالتاريخ العربي القديم إلى ما قبل الميلاد بـ 1500 سنة على وجه التقريب، وأثبتت أن هذه الفترة من الزمن كانت حافلة بكل مقومات الحضارة الراقية.

على أن من الصعوبات التي اعترضت حسن الإفادة من هذه الكتابات كونها لا تحمل تاريخًا، أو تحمل تاريخًا يصعب تحديده بالنسبة لتقويمنا المتبع حاليا؛ وهذا ما جعل المؤرخين عاجزين عن ضبط الوقت الصحيح والدقيق الذي دُون فيه النص؛ ذلك أنه لم يكن لعرب الجاهلية تقويم ثابت، فقد كانوا يؤرخون أحيانا بالنسبة لابتداء حكم ملوكهم، أو أنهم أرخوا بأيام الرؤساء والمشايخ وأرباب الأسر، وهي طريقة عرفت عند المعينيين والسبئيين والقتبانيين وغيرهم. ومع ذلك فإن ذكر تاريخ ما -مهما يكن- مفيد للمؤرخ؛ إنه أكثر فائدة مما لو كانت الكتابات خالية من أي تاريخ. غير أن الصعوبة تكمن في كون الملك أو الشخص المؤرخ بالنسبة لعهده وتاريخ ابتداء حكمه غير معروف هو نفسه, فالأشخاص زائلون، وقد لا تعيهم ذاكرة التاريخ أحيانا، ومن الأفضل لو عُمد إلى التأريخ بالنسبة للحوادث الجسام التي تبقى خالدة على كر العصور والأزمان كميلاد المسيح أو كما جرى عليه المسلمون بعد الهجرة النبوية.

وهنا لا بد من استعراض مسألة التقويم عند عرب ما قبل الإسلام. والملاحظ أنه كلما تقارب العهد بينهم وبين ظهور الإسلام, أمكن الوصول إلى معرفة تقويم ثابت لهم, فقد استطاع المؤرخون أن يضعوا أيديهم على مبدأ تاريخ اتبعه الحميريون منذ عام 115 ق. م، إذ اتخذوا تقويما ثابتا يجعل قيام الدولة الحميرية -الذي حدث في تلك السنة- مبدأ لتأريخ أخبارهم1. كما أرخوا بما عرف باسم "نار صوران"، وهي نار كانت تظهر في بعض الحرار في اليمن، وبما عرف باسم "عام سيل العرم".

أما عرب الشمال، فإلى جانب كون الكتابات التي أتتنا منهم نادرة، لم يعرف لهم مبدأ تقويم ثابت, فقد أرخوا أحيانا بالنسبة للأعوام التي تقع لهم فيها أمور متعارف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015