الأول: يمتد من 950 إلى 630 ق. م، وهو الدور الذي كان حكامهم يلقبون فيه باللقب الديني "مكرب"، وكانت عاصمتهم مدينة "صرواح" الواقعة بين مدينة مأرب وصنعاء، ومكانها اليوم مدينة "خريبة" شرق صنعاء.
الثاني: من 630 إلى 115 ق. م، وهو الدور الذي تغلبوا فيه على معين وورثوها ولقبوا بألقاب "ملوك"، وأصبحت عاصمتهم مدينة "مأرب" التي تقع على بعد 100كم إلى الشرق من صنعاء.
وقد بُدِئَ ببناء سد مأرب في أواخر الدور الأول، وبقي قائمًا حتى أيام الدولة الحميرية التي قامت على أنقاض دولة سبأ منذ 115 ق. م. وقد ظهر من الكتابات المنقوشة على السد أن أوائل بناته من المكربين "سمعهلي ينوف"، ثم ابنه "يتعمر بيين" ثم "كرب آل بيين" ولم تزل الإضافات تترى عليه في عهد الملوك حتى اكتمل حوالي عام 300 م في عهد الحميريين1.
إن وجود هذا السد في بلاد اليمن دليل واضح على أن السبئيين كانوا على جانب كبير من الحضارة ومن التقدم، في فن البناء والهندسة, بالإضافة إلى اهتمامهم بالزراعة. وقد ورد له ذكر في القرآن الكريم {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَال} 2. كما شاهد الهمداني أنقاضه في القرن الرابع الهجري، ووصفه في كتابه "الإكليل" وصفًا ينطبق على ما وجده المكتشفون الحديثون من أنقاضه. وقد حدثنا عن مشاهداته لمقاسم الماء من مداخر السد قائلًا: "كأن صانعها قد فرغ من عملها بالأمس.... ورأيت أحد الصدفين، وهو الذي يخرج منه الماء، قائمًا بحاله على أوثق ما يكون، وإنما وقع الكسر في العرم، وقد بقي قسم من العرم.."3.
بُني سد مأرب في مضيق بين جبلين يسمى كل منهما باسم "بلق" وفي وادٍ يسمى "وادي أذنة" الذي كانت تندفع فيه السيول نحو الشمال الشرقي، ومكانه يبعد مسيرة ثلاث ساعات عن "مأرب". وقد زار أنقاضه كل من "أرنو وهاليفي وغلازر" ووصفوه بما يتفق مع رواية الهمداني. وهو في مكان يرتفع 3900 قدم فوق سطح البحر، بطول 800 ذراع وعرض 150 ذراعًا، وارتفاع بضعة عشر ذراعًا، مبني بالحجارة الضخمة، ويستند