والاثنين زهاء خمسة آلاف زنجي، وكان قد قتل في الوقعة وغرق وأسر منهم خلق كثير لا يوقف على عددهم، وانقطعت منهم قطعه زهاء الف رنجى مالوا نحو البر، فمات أكثرهم عطشا، فظفر الأعراب بمن سلم منهم واسترقوهم.
وانتهى إلى الموفق خبر المهلبي وأنكلاي ومقامهما بحيث أقاما مع من تبعهما من جلة قواد الزنج ورجالهم، فبث أنجاد غلمانه في طلبهم، وأمرهم بالتضييق عليهم، فلما أيقنوا بأن لا ملجأ لهم أعطوا بأيديهم، فظفر بهم الموفق وبمن معهم، حتى لم يشذ أحد وقد كانوا على نحو العدة التي خرجت إلى الموفق بعد قتل الفاجر في الأمان، فأمر الموفق بالاستيثاق من المهلبي وأنكلاي وحبسهما، ففعل.
وكان فيمن هرب من عسكر الخبيث يوم السبت ولم يركن إلى الأمان قرطاس الذي كان رمى الموفق بالسهم، فانتهى به الهرب إلى رامهرمز، فعرفه رجل قد كان رآه في عسكر الخبيث فدل عليه عامل البلد، فأخذه وحمله في وثاق، فسأل أبو العباس أباه أن يوليه قتله فدفعه اليه فقتله.
وفيها استأمن درمويه الزنجي إلى أبي أحمد، وكان درمويه هذا- فيما ذكر- من أنجاد الزنج وأبطالهم، وكان الفاجر وجهه قبل هلاكه بمدة طويلة إلى أواخر نهر الفهرج، وهي من البصرة في غربي دجلة، فأقام هنالك بموضع وعر كثير النخل والدغل والآجام متصل بالبطيحة، وكان درمويه ومن معه هنالك يقطعون على السابلة في زواريق خفاف وسميريات اتخذوها لأنفسهم، فإذا طلبهم أصحاب الشذا ولجوا الأنهار الضيقة، واعتصموا بمواضع الأدغال منها، وإذا تعذر عليهم مسلك نهر منها لضيقها خرجوا من سفنهم وحملوها على ظهورهم، ولجئوا إلى هذه المواضع الممتنعة.
وفي خلال ذلك يغيرون على قرى البطيحة وما يليها، فيقتلون ويسلبون