حسان الأنباري، فلم يزل كذلك حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها، والفضل كاتبه، ثم خرج معه إلى معسكر المأمون، ثم خرج معه إلى مصر، فاحتوى على أموال مصر، ثم قدم الفضل قبل موت المأمون بغداد، ينفذ أمور المعتصم، ويكتب على لسانه بما أحب حتى قدم المعتصم خليفة، فصار الفضل صاحب الخلافة، وصارت الدواوين كلها تحت يديه وكنز الأموال، وأقبل أبو إسحاق حين دخل بغداد يأمره بإعطاء المغنى والملهى، فلا ينفذ الفضل ذلك، فثقل على أبي إسحاق.
فحدثني إبراهيم بن جهرويه أن إبراهيم المعروف بالهفتى- وكان مضحكا- امر له المعتصم بمال، وتقدم إلى الفضل بن مروان في إعطائه ذلك، فلم يعطه الفضل ما امر به المعتصم، فبينا الهفتي يوما عند المعتصم، بعد ما بنيت له داره التي ببغداد، واتخذ له فيها بستان، قام المعتصم يتمشى في البستان ينظر إليه وإلى ما فيه من أنواع الرياحين والغروس، ومعه الهفتي، وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن تفضي الخلافة إليه، فيقول فيما يداعبه: والله لا تفلح أبدا! قال:
وكان الهفتي رجلا مربوعا ذا كدنة، والمعتصم رجلا معرقا خفيف اللحم، فجعل المعتصم يسبق الهفتي في المشي، فإذا تقدمه ولم ير الهفتي معه التفت إليه، فقال له: ما لك لا تمشي! يستعجله المعتصم في المشي ليلحق به، فلما كثر ذلك من أمر المعتصم على الهفتي، قال له الهفتي، مداعبا له: كنت أصلحك الله، أراني أماشي خليفة، ولم أكن أراني أماشي فيجا، والله لا أفلحت! فضحك منها المعتصم، وقال: ويلك! هل بقي من الفلاح شيء لم أدركه! أبعد الخلافة تقول هذا لي! فقال له الهفتي: أتحسب أنك قد أفلحت الآن! إنما لك من الخلافة الاسم، والله ما يجاوز أمرك أذنيك، وإنما الخليفة الفضل بن مروان، الذي يأمر فينفذ أمره من ساعته، فقال له المعتصم:
وأي أمر لي لا ينفذ! فقال له: الهفتي: أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين، فما أعطيت مما أمرت به منذ ذاك حبه!