علمت أن المأمون لا يبصر الشعر، قَالَ: قلت: ومن ذا يكون اعلم منه! فو الله إنك لترانا ننشده أول البيت فيسبقنا إلى آخره، قال: أنشدته بيتا أجدت فيه، فلم أره تحرك له، قَالَ: قلت: وما الذي أنشدته؟ قَالَ:

أنشدته:

أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل

قَالَ: فقلت له: إنك والله ما صنعت شيئا، وهل زدت على أن جعلته عجوزا في محرابها، في يدها سبحتها! فمن القائم بأمر الدنيا إذا تشاغل عنها، وهو المطوق بها! هلا قلت فيه كما قَالَ عمك جرير في عبد العزيز ابن الوليد:

فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله

فقال: الآن علمت أني قد أخطأت.

وذكر عن محمد بن ابراهيم السيارى قَالَ: لما قدم العتابي على المأمون مدينة السلام أذن له، فدخل عليه، وعنده إسحاق بْن إبراهيم الموصلي- وكان شيخا جليلا- فسلم عليه، فرد ع، وأدناه وقربه حتى قرب منه، فقبل يده، ثم أمره بالجلوس فجلس، وأقبل عليه يسائله عن حاله، فجعل يجيبه بلسان طلق، فاستطرف المأمون ذلك، فأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظن الشيخ أنه استخف به، فقال: يا أمير المؤمنين، الإبساس قبل الإيناس قَالَ: فاشتبه على المأمون الإبساس، فنظر إلى إسحاق بْن إبراهيم، ثم قَالَ:

نعم، يا غلام ألف دينار، فأتى بها، ثم صبت بين يدي العتابي، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015