لا يصلح النفس إذ كانت مقسمة ... إلا التنقل من حال إلى حال
وذكر عن أبي نزار الضرير الشاعر أنه قَالَ: قَالَ لي علي بْن جبلة:
قلت لحميد بْن عبد الحميد: يا أبا غانم، قد امتدحت أمير المؤمنين بمدح لا يحسن مثله أحد من أهل الأرض، فاذكرني له، فقال: أنشدنيه، فأنشدته، فقال: أشهد أنك صادق، فأخذ المديح فأدخله على المأمون، فقال:
يا أبا غانم، الجواب في هذا واضح، إن شاء عفونا عنه وجعلنا ذلك ثوابا بمديحه، وإن شاء جمعنا بين شعره فيك وفي أبي دلف القاسم بْن عيسى، فإن كان الذي قَالَ فيك وفيه أجود من الذي مدحنا به ضربنا ظهره، وأطلنا حبسه، وإن كان الذي قَالَ فينا أجود أعطيته بكل بيت من مديحه ألف درهم، وإن شاء أقلناه فقلت: يا سيدي، ومن أبو دلف! ومن أنا حتى يمدحنا بأجود من مديحك! فقال: ليس هذا الكلام من الجواب عن المسألة في شيء، فاعرض ذلك على الرجل قَالَ علي بْن جبلة: فقال لي حميد: ما ترى؟
قلت: الا قاله أحب إلي، فأخبر المأمون، فقال: هو أعلم، قَالَ حميد:
فقلت لعلي بْن جبلة: إلى أي شيء ذهب في مدحك أبا دلف وفي مدحك لي؟ قَالَ: إلى قول في أبي دلف:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
وإلى قولي فيك:
لولا حميد لم يكن ... حسب يعد ولا نسب
يا واحد العرب الذي ... عزت بعزته العرب
قَالَ: فأطرق حميد ساعة، ثم قَالَ: يا أبا الحسن، لقد انتقد عليك أمير المؤمنين وأمر لي بعشرة آلاف درهم وحملان وخلعة وخادم، وبلغ ذلك