وتساقط شعره، ورجع إلى ابن هبيرة، فعولج واستبل وصح، فقال لابن هبيرة: الأمر أعظم مما بلغك، ما يرى سعيد إلا أنك عامل من عماله فغضب عليه وعزله وعذبه، ونفح في بطنه النمل، وكان يقول حين عزله: لو سألني عمر درهما يضعه في عينه ما أعطيته، فلما عذب أدى، فقال له رجل:
ألم تزعم أنك لا تعطيه درهما! قَالَ: لا تعنفني، إنه لما أصابني الحديد جزعت، فقال أذينة بْن كليب- أو كليب بْن أذينة:
تصبر أبا يحيى فقد كنت- علمنا ... - صبورا ونهاضا بثقل المغارم
وقال علي بْن محمد: إنما غضب عليه ابن هبيرة أنه وجه معقل بْن عروة إلى هراة، إما عاملا وإما في غير ذلك من أموره، فنزل قبل أن يمر على الحرشي، وأتى هراة، فلم ينفذ له ما قدم فيه، وكتب إلى الحرشي، فكتب الحرشي إلى عامله: أن احمل إلي معقلا، فحمله، فقال له الحرشي: ما منعك من إتياني قبل أن تأتي هراة؟ قَالَ: أنا عامل لابن هبيرة ولاني كما ولاك، فضربه مائتين وحلقه فعزله ابن هبيرة، واستعمل على خراسان مسلم بْن سعيد بْن أسلم بْن زرعة، فكتب الى الحرشي يلخنه، فقال سعيد: بل هو ابن اللخناء وكتب إلى مسلم أن احمل إلي الحرشي مع معقل بْن عروة، فدفعه إليه فأساء به وضيق عليه، ثم أمره يوما فعذبه، وقال: اقتله بالعذاب.
فلما أمسى ابن هبيرة سمر فقال: من سيد قيس؟ قالوا: الأمير، قَالَ:
دعوا هذا، سيد قيس الكوثر بْن زفر، لو بوق بليل لوافاه عشرون ألفا، لا يقولون: لم دعوتنا ولا يسألونه، وهذا الحمار الذي في الحبس- قد أمرت بقتله- فارسها، وأما خير قيس لها فعسى أن أكونه، إنه لم يعرض إلي أمر أرى أني أقدر فيه على منفعة وخير إلا جررته إليهم، فقال له أعرابي من بني فزارة: ما أنت كما تقول، لو كنت كذلك ما أمرت بقتل فارسها فأرسل إلى معقل أن كف عما كنت امرتك به