يَنْحَرُهَا لَدَى رَتَاجِ الْكَعْبَةِ، وَمَمَالِيكُهُ كُلُّهُمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ أَحْرَارٌ فَحَلَفَ لَهُمَا بِذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ فَجَاءَ دَارَهُ فَنَزَلَهَا.
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَحَدَّثَنِي يحيى بن أبي عيسى، عن حميد بن مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُخْتَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! مَا أَحْمَقَهُمْ حِينَ يَرَوْنَ أَنِّي أَفِي لَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ هَذِهِ! أَمَّا حَلِفِي لَهُمْ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِي إِذَا حَلَفْتُ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا أَنْ أَدَعَ مَا حَلَفْتُ عَلَيْهِ وَآتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَأُكَفِّرَ يَمِينِي، وَخُرُوجِي عَلَيْهِمْ خَيْرٌ مِنْ كفى عنهم، واكفر يميني، وَأَمَّا هَدْيُ أَلْفِ بَدَنَةٍ فَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ بَصْقَةٍ، وَمَا ثَمَنُ أَلْفِ بَدَنَةٍ فَيَهُولُنِي! واما عتق مماليكى فو الله لَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَتَبَّ لِي أَمْرِي، ثُمَّ لَمْ أَمْلِكْ مَمْلُوكًا أَبَدًا.
قَالَ: وَلَمَّا نَزَلَ الْمُخْتَارُ دَارَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السِّجْنِ، اخْتَلَفَ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهَا عَلَى الرِّضَا بِهِ، وَكَانَ الَّذِي يُبَايِعُ لَهُ النَّاسَ وَهُوَ فِي السِّجْنِ خَمْسَةُ نَفَرٍ: السَّائِبُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ الْفِتْيَانِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بن شداد الجشمى.
قال: فلم تزل أَصْحَابُهُ يَكْثُرُونَ، وَأَمْرُهُ يَقْوَى وَيَشْتَدُّ حَتَّى عَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْد اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّد بن طلحه، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ عَلَى عَمَلِهِمَا إِلَى الْكُوفَةِ.
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَحَدَّثَنِي الصَّقْعَبُ بْنُ زُهَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: دَعَا ابْنُ الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ أَخَا بَنِي عَدِيِّ ابن كَعْبٍ وَالْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ عَلَى الْكُوفَةِ، وَبَعَثَ الْحَارِث بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَلَى الْبَصْرَةِ قَالَ:
فَبَلَغَ ذَلِكَ بَحِيرَ بْنَ رَيْسَانَ الْحِمْيَرِيَّ، فَلَقِيَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: يَا هَذَانِ، إِنَّ الْقَمَرَ اللَّيْلَةَ بِالنَّاطِحِ، فَلا تَسِيرَا فَأَمَّا ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، فَأَطَاعَهُ، فأقام يسيرا