لَهُ سُفَهَاءُ طَغَامٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنْ قَدْ أَبْطَأْتَ عَنْهُ بِالنَّصْرِ، وَأَحْبَبْتَ لَهُ الْقَتْلَ، لِهَذِهِ المنزله التي اصبحت تطلب، ورب متمنى أَمْرٍ وَطَالِبِهِ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَحُولُ دُونَهُ بِقُدْرَتِهِ، وَرُبَّمَا أُوتِيَ الْمُتَمَنِّي أُمْنِيَّتَهُ وَفَوْقَ أُمْنِيَّتِهِ، وو الله مَا لَكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرٌ، لَئِنْ أَخْطَأْتَ مَا تَرْجُو إِنَّكَ لَشَرُّ الْعَرَبِ حَالا فِي ذَلِكَ، وَلَئِنْ أَصَبْتَ مَا تَمَنَّى لا تُصِيبَهُ حَتَّى تَسْتَحِقَّ مِنْ رَبِّكَ صَلِيَّ النَّارِ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ، وَدَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَلا تُنَازِعِ الأَمْرَ أَهْلَهُ.
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن أَوَّلُ مَا عَرَفْتُ فِيهِ سَفَهَكَ وَخِفَّةَ حِلْمِكَ، قَطْعُكَ عَلَى هَذَا الْحَسِيبِ الشَّرِيفِ سَيِّدِ قَوْمِهِ مَنْطِقَهُ، ثُمَّ عَنَيْتَ بَعْدُ فِيمَا لا عِلْمَ لك به، فقد كذبت، ولؤمت أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ الْجَافِي فِي كُلِّ مَا ذَكَرْتَ وَوَصَفْتَ انْصَرِفُوا مِنْ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِلا السَّيْفَ وَغَضِبَ، وَخَرَجَ الْقَوْمُ وَشَبَثٌ يَقُولُ: أَفَعَلَيْنَا تُهَوِّلُ بِالسَّيْفِ! أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَيُعَجِّلَنَّ بِهَا إِلَيْكَ فَأَتَوْا عَلِيًّا وَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِهِ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ الرَّجُلَ ذَا الشَّرَفِ، فَيَخْرُجُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ آخَرُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَيَقْتَتِلانِ فِي خَيْلِهِمَا وَرِجَالِهِمَا ثُمَّ يَنْصَرِفَانِ، وَأَخَذُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَلْقَوْا بِجَمْعٍ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَهْلَ الشَّامِ لِمَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مِنَ الاسْتِئْصَالِ وَالْهَلاكِ، فَكَانَ عَلِيٌّ يُخْرِجُ مَرَّةً الأَشْتَرَ، وَمَرَّةً حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ، وَمَرَّةً شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، وَمَرَّةً خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ، وَمَرَّةً زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ الحارثى، ومره زياد بن خصفه التيمى، وَمَرَّةً سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ، وَمَرَّةً مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ، وَمَرَّةً قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ أَكْثَرَ الْقَوْمِ خُرُوجًا إِلَيْهِمُ الأَشْتَرُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُخْرِجُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيَّ، وأبا الأعور السلمى، ومره حبيب ابن مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ، وَمَرَّةً ابْنَ ذِي الْكِلاعِ الْحِمْيَرِيَّ، ومره عبيد الله بن عمر ابن الْخَطَّابِ، وَمَرَّةً شُرَحْبِيلَ بْنَ الْسِمْطِ الْكِنْدِيَّ، وَمَرَّةً حَمْزَةَ بْنَ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيَّ، فَاقْتَتَلُوا مِنْ ذِي الْحَجَّةِ كُلِّهَا، وَرُبَّمَا اقْتَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ