لم يبق مِنَ النَّاسِ أحد إلا عبر، ثُمَّ إنه عبر آخر الناس رجلا.
قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي الحجاج بن علي، عن عَبْد اللَّهِ بن عمار بن عَبْدِ يَغُوثَ، أن الخيل حين عبرت زحم بعضها بعضا، فسقطت قلنسوة عَبْد اللَّهِ بن أبي الحصين الأَزْدِيّ، فنزل فأخذها ثُمَّ ركب، وسقطت قلنسوة عَبْد اللَّهِ بن الحجاج الأَزْدِيّ، فنزل فأخذها، ثُمَّ ركب، وَقَالَ لصاحبه:
فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا ... كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل
فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بن أبي الحصين: مَا شَيْء أوتاه أحب إلي مما ذكرت، فقتلا جميعا يوم صفين.
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي خَالِد بن قطن الحارثي، أن عَلِيًّا لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر، وشريح بن هانئ، فسرحهما أمامه نحو مُعَاوِيَة عَلَى حالهما الَّتِي كانا خرجا عَلَيْهَا من الْكُوفَة قَالَ: وَقَدْ كانا حَيْثُ سرحهما من الْكُوفَة أخذا عَلَى شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الْكُوفَة حَتَّى بلغا عانات، فبلغهما أخذ علي عَلَى طريق الجزيرة، وبلغهما أن مُعَاوِيَة قَدْ أقبل من دمشق فِي جنود أهل الشام لاستقبال علي، فقالا:
لا وَاللَّهِ مَا هَذَا لنا برأي، أن نسير وبيننا وبين الْمُسْلِمِينَ وأمير الْمُؤْمِنِينَ هَذَا البحر! وما لنا خير فِي أن نلقى جنود أهل الشام بقلة من معنا منقطعين من العدد والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عَنْهُمُ السفن، فأقبلوا راجعين حَتَّى عبروا من هيت، ثُمَّ لحقوا عَلِيًّا بقرية دون قرقيسياء، وَقَدْ أرادوا أهل عانات، فتحصنوا وفروا، ولما لحقت المقدمة عَلِيًّا قَالَ: مقدمتي تأتيني من ورائي فتقدم إِلَيْهِ زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ، فأخبراه بِالَّذِي رأيا حين بلغهما من الأمر مَا بلغهما، فَقَالَ: سددتما ثُمَّ مضى علي، فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو مُعَاوِيَة، فلما انتهيا إِلَى سور الروم لقيهما أَبُو الأعور السلمي عَمْرو بن سُفْيَان فِي جند من أهل الشام، فأرسلا إِلَى علي: إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي فِي جند من