فِي عَشَرَةِ آلافٍ، وَمَعَهُ فِيلٌ، وَكَتَبَتِ الْمَسَالِحُ إِلَى الْمُثَنَّى بِإِقْبَالِهِ، فَخَرَجَ الْمُثَنَّى مِنَ الْحِيرَةِ نَحْوَهُ، وَضَمَّ إِلَيْهِ الْمَسَالِحَ، وَجَعَلَ عَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ الْمُعَنَّى وَمَسْعُودًا ابْنَيْ حَارِثَةَ، وَأَقَامَ لَهُ بِبَابِلَ، واقبل هرمز جاذويه، وعلى مجنبتيه الكوكبد والحركبذ وكتب الى المثنى: من شهر براز إِلَى الْمُثَنَّى، إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا من وخش أَهْلِ فَارِسَ، إِنَّمَا هُمْ رُعَاةُ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلا بِهِمْ فَأَجَابَهُ الْمُثَنَّى: مِنَ المثنى الى شهر براز، إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ:
إِمَّا بَاغٍ فَذَلِكَ شَرٌّ لَكَ وَخَيْرٌ لَنَا، وَإِمَّا كَاذِبٌ فَأَعْظَمُ الْكَذَّابِينَ عُقُوبَةً وَفَضِيحَةً عِنْدَ اللَّهِ فِي النَّاسِ الْمُلُوكُ وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّنَا عَلَيْهِ الرَّأْيُ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِمْ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَكُمْ إِلَى رُعَاةِ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ.
فَجَزِعَ أَهْلُ فارس من كتابه، وقالوا: انما اتى شهر براز مِنْ شُؤمِ مَوْلِدِهِ وَلُؤْمِ مَنْشَئِهِ- وَكَانَ يَسْكُنُ مَيْسَانَ- وَبَعْضُ الْبُلْدَانِ شَيْنٌ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهُ.
وَقَالُوا لَهُ: جَرَّأْتَ عَلَيْنَا عَدُوَّنَا بِالَّذِي كَتَبْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَاتَبْتَ أَحَدًا فَاسْتَشِرْ فَالْتَقَوْا بِبَابِلَ، فَاقْتَتَلُوا بِعَدْوَةِ الصَّرَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الطَّرِيقِ الأَوَّلِ قِتَالا شَدِيدًا ثُمَّ إِنَّ الْمُثَنَّى وَنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اعْتَوَرُوا الْفِيلَ- وَقَدْ كَانَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الصُّفُوفِ وَالْكَرَادِيسِ- فَأَصَابُوا مَقْتَلَهُ، فَقَتَلُوهُ وَهَزَمُوا أَهْلَ فَارِسَ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ، حَتَّى جَازُوا بِهِمْ مَسَالِحَهُمْ، فَأَقَامُوا فِيهَا، وَتَتَبَّعَ الطَّلَبُ الْفَالَةَ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَدَائِنِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ السَّعْدِيُّ، وَكَانَ عَبْدَةُ قَدْ هَاجَرَ لِمُهَاجِرَةٍ حَلِيلَةٍ لَهُ حَتَّى شَهِدَ وَقْعَةَ بَابِلَ، فَلَمَّا آيَسَتْهُ رَجَعَ إِلَى الْبَادِيَةِ، فَقَالَ:
هَلْ حَبْلُ خَوْلَةَ بَعْدَ الْبَيْنِ مَوْصُولُ ... أَمْ أَنْتَ عَنْهَا بَعِيدُ الدَّارِ مَشْغُولُ!
وَلِلأَحِبَّةِ أَيَّامٌ تَذَكَّرُهَا ... وَللِنَّوَى قَبْلَ يَوْمِ الْبَيْنِ تَأْوِيلُ