جَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي، فَنَاوَلَتْهُ فَرَمَانِي بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِي جَنْبِي قَالَ:
فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ، وَلَمْ أَتَحَرَّكْ ثُمَّ رَمَانِي بِالآخَرِ، فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ رَبِيئَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا أَصْبَحْتِ فَاتَّبِعِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا لا تَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكَلابُ، قَالَ: فَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتَّى رَاحَتْ رَائِحَتُهُمْ، حَتَّى إِذَا احتلبوا وعطنوا سكنوا، وَذَهَبَتْ عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ، فَقَتَلْنَا مَنْ قَتَلْنَا وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ، وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى الْقَوْمِ مُغَوِّثًا قَالَ:
وَخَرَجْنَا سِرَاعًا حَتَّى نَمُرَّ بِالْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، ابْنِ الْبَرْصَاءِ، وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا صَرِيخُ النَّاسِ، فَجَاءَنَا مَا لا قِبَلَ لَنَا بِهِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلا بَطْنُ الْوَادِي مِنْ قَدِيدٍ، بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ سَحَابًا مَا رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مَطَرًا وَلا خَالا، فَجَاءَ بِمَا لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقْدِمَ وَلا يَتَقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا، حَتَّى أَسْنَدْنَاهَا فِي الْمُشَلَّلِ، ثُمَّ حَدَرْنَاهَا عَنْهَا، فَأَعْجَزْنَا الْقَوْمَ بِمَا فِي أَيْدِينَا، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ رَاجِزٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَحْدُوهَا فِي أَعْقَابِهَا، وَيَقُولُ:
أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعْزُبِي ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلَبِ
صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُذْهَبِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْهُمْ، أَنَّ شعار اصحاب رسول الله ص تِلْكَ اللَّيْلَةَ كَانَ: أَمِتْ أَمِتْ.
قَالَ الواقدي: كَانَتْ سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِضْعَةَ عشر رجلا