من دين أن يرى أبناء دينه في فتنة لا دين لها، ولا يستفيد منها إلا سوى أعداء الدين والمنتفعين به، وهل يرضى إنسان عصري وحديث بأساليب الهمجية؟
ولعله من الواضح أن الزواوة سواء كانوا من المقيمين في أرض الوطن أم من المهجرين إلى الشام رفضوا تلك الدعاوى التي بثها المستعمر الفرنسي في الجزائر وفي سورية ولبنان بأنهم غير عرب وأنهم بربر ورومان وما إلى ذلك، وهم الذين حثوا أبو يعلى الزواوي على تأليف كتابه بالإضافة إلى رغبته هو ودوافعه هو لإزاحة الظلم والتزوير. وكان في هذا واضح العبارة فهو يربط الأسباب والعلاقات والدوافع والتشجيعات ربطا محكما ومنطقيا ... إذ يقول:
(وكان مولدي بالزواوة، ومنشاي ومرباي في تلك القرى ذوات الزوايا، وكادت شهرة تلك القبائل الصنهاجية تكون طامسة الأعلام مجهولة، لأسباب كثيرة، وقضايا منها ما هي مقبولة، ومنها ما هي مزورة مردودة ... تحرك لي الساكن، واستنجدني الظاعن والقاطن، فأردت أن أضع كتابا صغير الحجم، كبير العلم، كأنموذج من تاريخ الزواوة، مقتصرا على تبيين نسبهم وذكر شيء من فضائلهم، وما قيل فيهم، وما كان لأوائلهم، ليكون النشء الجديد على بصيرة من سلفهم، ليعلموا ما كان من أمرهم، ليقتدوا بكل فعل مجيد، وينبذوا كل ما هو غير سديد، لعلهم يأخذون ببعض القديم وبعض الجديد، والتزام الأحماض فيه لتنشيط قارئيه، لأنفخ فيهم روحا قوية، وأبعث فيهم ذوي همم عالية، وأهدي إليهم هذا الكتاب المستطاب، فإن فعلوا فذاك هو الصواب، وإلا فما علي من حساب) ص 3 - 4.