تواصلت الحرب في عهد نرسي بن بهرام الثاني "293- 302م"، وقد أثارها طرد الفرس، ملك أرمينية وحليف الرومان، وهزم القائد الروماني غاليريوس الجيش الفارسي، ووقعت أرسان زوجة نرسي أسيرة، واضطر الإمبراطور الفارسي أن يتنازل للرومان عن مقاطعة أرمينية الصغرى، وعاد ترادت ملكًا على أرمينية، واستمرت حالة السلم بين الدولتين مدة أربعين عامًا قبل أن تستأنف حالة العداء في عهد سابور الثاني "309- 379م"1.
وشهدت الإمبراطورية الرومانية في غضون ذلك تحولًا نوعيًا في سياستها الدينية تمثل باعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالديانة النصرانية في عام 313م بموجب مرسوم ميلان2، واعتناقه النصرانية فيما بعد، وانتشرت هذه الديانة في الربوع الأرمينية، كما اعتنقها الفرس في بابل، وجنديسابور3، وآشور وغيرها من المدن، فتوثقت الصلات بذلك، بين بيزنطية وأرمينية، ومن بين الأسباب التي دفعت الإمبراطور قسطنطين الأول إلى نقل عاصمته من روما إلى بيزنطية، التي أسسها على ضفاف البوسفور في عام 330م؛ اعتزامه أن يقاوم الخطر الفارسي من مكان قريب.
وانقسمت أرمينية آنذاك على نفسها بفعل الصراع الحزبي والطبقي، فأخذت الطبقة الغنية تسعى وراء مصالحها الذاتية، وسعى الحزب المحافظ إلى إقامة علاقات وثيقة مع فارس بوصفها جارة قوية، بينما سعى حزب آخر، نتيجة لاعتناق أفراده الديانة النصرانية، إلى إنشاء اتحاد بينه، وبين إخوته النصاري في الغرب، وهناك حقيقة كانت تعمل على إذكاء العداء بشكل عام، هي أن الإمبراطورية الفارسية الساسانية كانت وثنية، وأن الإمبراطورية البيزنطية كانت نصرانية4، وحيكت المؤامرت، ونفذت عمليات اغتيال، مما أدى إلى حدوث اضطرابات.
تذرع سابور الثاني بتردي الأوضاع الداخلية في أرمينية لشن الحرب، واسترجاع الأراضي التي فقدتها الإمبراطورية في عهد نرسي، فاجتاح أرمينية، واصطدم بالجيش البيزنطي في منطقة الجزيرة، وتوفي قسطنطين الأول أثناء ذلك، فتولى خليفته قنسطانز إدارة الحرب، فتحالف مع إرشاك الثالث ملك أرمينية، مما أثار سابور الثاني