وفعلًا، فقد أثارت هذه التغييرات القوة العصبية، والحمية الدينية لدى المقاتلين المسلمين، فاشتد التنافس بينهم، وبلغت الحماسة الدينية الأوج، فكل فرقة تقاتل تحت رايتها، وتود أن تنال النصر وشرف الغلبة، فيندفع جنودها
إلى الموت1.
استمر القتال في الجولة الأخيرة عدة ساعات، كثر فيها عدد القتلى من الجانبين، وثبت بنو حنيفة لوقع السيوف، ولم يحفلوا بكثرة من قتل منهم، فأدرك خالد عندئذ أن الحرب لا تخف وطأتها ما بقي مسيلمة بين بني حنيفة، وأن العدو لا ينهزم إلا إذا قتل، ولن تنتهي بالمعركة إلا بموته، لذلك شدد ضغطه القتالي، فاضطر مسيلمة إلى التراجع، ودخل حديقته مع عدد كبير من أتباعه، وأغلق بابها لتخفيف الضغط، حاصر المسلمون الحديقة، واقتحموها وجرى بداخلها قتال ضار، ولاحت لوحشي، مولى المطعم بن عدي، وقاتل حمزة في معركة أحد، وكان قد أسلم بعدها، فرصة انكشف مسيلمة خلالها أمامه، فضربه بحربته، فأصابه ووقع أرضًا، فانقض عليه سماك بن خرشة بسيفه وأجهز عليه2.
شكل مقتل مسيلمة بداية النهاية لهذه المعركة الضارية، ووضع حدًا لذلك القتال الشديد، إذا تزعزعت قوة العدو وانهارت، واشتدت في المقابل قوة المسلمين، ففتكوا بجنود مسيلمة فتكًا ذريعًا لم يترك لمجاعة من مرارة الحنفي، الذي تولى القيادة بعد مقتل مسيلمة، الخيار، فأعلن استسلامه، وطلب الصلح3، تكبد بنو حنيفة واحدًا وعشرين ألف قتيل، فيحين تكبد المسلمون ألفًا ومائتي قتيل4، وتقرر الصلح على البندين التاليين:
- يسلم بنو حنيفة نصف ما عندهم من الذهب، والفضة والسلاح، والخيل، وربع السبي، وحائطًا من كل قرية ومزرعة.
- يعصم المسلمون دماءهم على أن يدخلوا في الإسلام5.
والواقع أنه لم تعرف الجزيرة العربية في تلك العصور موقعة كان فيها ما كان في معركة عقرباء من دماء، لذلك أطلق المسلمون على حديقة مسيلمة، وهي حديقة الرحمن، اسم حديقة الموت، كما عرف هذا اليوم بيوم اليمامة6.