سرية، ويبدو أنها وصلت إلى مسامع الصحابة في المدينة، فأعلموا عثمان بها، وأشاروا عليه بأن يتحرى الأمر، فأرسل رجالًا يثق بهم إلى الأمصار المختلفة، للوقوف على الأوضاع العامة فيها، فبعث محمدًا بن مسلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعبد الله بن عمر إلى الشام، وعمارًا بن ياسر إلى مصر، وأرسل غيرهم إلى سائر الجهات، فلما عاد الرسل أخبروه بأن الأوضاع مستتبة وأن المسلمين في الأمصار لا ينكرون شيئًا، وأن أمراءهم يعدلون بينهم، ولكن عمارًا بن ياسر تخلف، ولم يعد إلى المدينة.

وبعد أن اختمرت دوافع الثورة خرجت إلى دور العمل والتنفيذ، ومثل قدوم الثائرين من مختلف الأمصار الإسلامية إلى المدينة عام "35هـ/ 655-656م" تتويجًا للتحركات السابقة، فقد خرجوا كجماعات منتظمة مع رءوس مجموعات، وقائد لكل فرقة بكاملها، وسيكون هؤلاء الفاعلين الرئيسيين الممثلين للاحتدام؛ لأن الروايات حفظت أسماءهم؛ ولأننا سوف نصادفهم لاحقًا، ويدل انتسابهم القبلي على أحوالهم الاجتماعية.

خرجت الجماعة الأولى من مصر، وقد بلغ عدد -أفرادها بين أربعمائة وألف مقاتل بقيادة الغافقي بن حرب العكي، وفي عدادهم أبو عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانية بن بشر التجيبي من كندة، وسودان بن حمران السكوني من كندة أيضًا، وعروة بن شييم الكناني وغيرهم من صغار زعماء العشائر، وادعوا بأنهم يريدون العمرة، فأرسل والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح كتابًا إلى الخليفة يعلمه بخروجهم1.

إن الشخص الملفت بينهم هو عبد الرحمن بن عديس البلوي من قبيلة بلي، إحدى القبائل التي أقامت في مصر منذ فتحها، وهو من صحابة النبي والوحيد الحامل لهذه الصفة، وبالتالي فإنه ينتمي إلى جماعة الصحابة ذات الأصل البدوي، والذين تعاظم دورهم مع الوقت، وأدى عروة بن شييم الكناني دورصا كبيرًا في عملية القتل، فهو الفاعل الرئيسي2.

وخرجت الجماعة الثانية من الكوفة، وقد بلغ عديدها مائتي مقاتل بقيادة عمرو بن الأصم، وفي عدادهم زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، والصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي، وهو من صغار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015