من قريش والأنفة عليهم والتمريض في طاعتهم، والتعلل في ذلك بالتظلم منهم والاستعداء عليهم، والطعن بالعجز عن السرية، والعدل في القسم عن السوية، وفشت القالة بذلك، وانتهت إلى المدينة"1.
إذن المشكلة واضحة، وهي سيطرة قريش من خلال سيطرة الأمويين على مقدرات الشئون العامة، وعود إلى الجاهلية، ونزاع القبائل على السيادة، وأنفة بعضها من سيادة قريش، فأظهروا الطعن في ولاة عثمان بل وفي الخليفة نفسه، واستغل بعض أبناء الصحابة هذه القوى سلبًا، وإيجابا وفقًا للمصلحة العامة، أو لمصلحتهم الشخصية.
وإذا كان تعليل ابن خلدون ينطبق تمامًا على وضع الكوفة الاجتماعي، فإنه لا ينطبق بالضرورة على الوضع الاجتماعي العام في كل من البصرة ومصر، وذلك بفعل اختلاف ظروف دوافعهما للاشتراك بالثورة على عثمان، فقد تعاطف البصريون مع الكوفيين من واقع الأجواء المشحونة بالانتقادات الموجهة لسياسة عثمان في البصرة هي التي تتحدث عن تسيير أحد قرائها، وهو عامر بن عبد القيس، إلى الشام2 بالإضافة إلى بعض البصريين المنتمين إلى السوط نفسه الذي انطلقت منه أحداث الكوفة3، والواضح أنه لم يكن هناك تنسيق مسبق بين البصريين والكوفيين، ولعل وجود علاقة بين قراء المصريين، تلك التي تتحدث عن مشاركة حرقوص بن زهير السعدي البصري إلى جانب ثوار الكوفة الذين اشتركوا في طرد سعيد بن العاص، هذا في الوقت الذي انحصرت دوافع المصريين في اتهام ولاتهم بالانحراف السلوكي، وأحيانًا الشرعي مع رفض الخليفة تغييرهم، لذلك لا يمكن تفسير حماس هؤلاء بالبنى الاجتماعية وحدها، كما لا يمكن تفسيره بالدوافع الدينية ذات الإيحاء القرآني، بفعل أن مقاتليهم يملكون وعيًا سياسيًا، ودينيا أقل حدة4، فقد تأثروا بدعاية كثيفة شنها اثنان من أبناء الصحابة هما محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة، والمعروف أن الأول قبع في المدينة في حين قبع الثاني في مصر، واستولى على السلطة في الفسطاط بعد مغادرة الوالي عبد الله بن سعد بن أبي سرح أثناء حصار عثمان، مما شجع القوة المصرية المحاصرة للخليفة على أداء دور بارز في قتله5.