أخاف على الناس، وأخرى قد اتخذت بها زوجة، ولي بالطائف مال، فربما أطلعته، فأقمت فيه بعض الصدر"1.
وقد رد عبد الرحمن بن عوف على مبررات الخليفة بقوله: "أما قولك: اتخذت أهلًا، فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت، وتقدم بها إذا شئت، إنما تسكن بسكناك، وأما قولك: ولي مال بالطائف، فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال، وأنت لست من أهل الطائف، وأما قولك: يرجع من حج من أهل اليمن وغيرهم، فيقولون: هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو مقيم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي، والناس يومئذ الإسلام فيهم قليل، ثم أبو بكر مثل ذلك، ثم عمر، فضرب الإسلام بجرانه، فصلى بهم عمر حتى مات ركعتين"2.
والواقع أن احتجاجات المنتقدين تعبر عن وجهات نظر خاصة، وقد انفرد الطبري بالإشارة إلى ذلك3، وهي لا تحمل في طياتها مظاهر خلاف، أو تمرد ضده، الأمر الذي يفسر قيام عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف بالصلاة أربع ركعات في منى اقتداء به على الرغم من معارضتهما لهذه الخطوة، وقد هدف الطبري إلى إبراز حرص الصحابة على وحدة المسلمين4، أما البلاذري، فقد أغفل الإشارة إلى ذلك في محاولة منه لإبراز مدى الاحتجاج الذي لاقته سياسة عثمان بين الناس5.
السماح للحكم بن أبي العاص الإقامة في المدينة:
أثار قرار الخليفة السماح لقريبه الحكم بن أبي العاص بن أمية بالإقامة في المدينة، حفيظة عدد من الصحابة، وسخطًا واسعًا في المجتمع الإسلامي، وقد رأوا فيه تجاوزًا لإرادة النبي، والمعروف أن النبي كان قد طرده منها مع ولده إلى الطائف، وحرم عليه الإقامة فيها بفعل إيذائه له، ويبدو أن هذا القرار يعد محاولة من عثمان لإرضاء البعد العصبي؛ لأن إعادة الحكم بن أبي العاص إلى المدينة يعد دعمًا واضحًا لشخصية أموية بارزة، وانتصارًا لبني أمية بعامة، الذين حاولوا خلال عهد أبي بكر، وعمر إعادة الحكم إلى المدينة، وفشلوا في ذلك6. لكن عثمان برر قراره بأنه كلم النبي بشأنهما، ووعده بأن يأذن لهما إلا أن الموت حال دون تنفيذ وعده7، ورد على مننتقديه قائلًا: "رسول الله صلى الله عليه وسلم سيره بذنبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده بعفوه"8.