لقد توعدني العبد آنفًا"1، ودخل عمر منزله دون أن يكترث
جديًا بهذا التهديد، فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار، فقال له: "يا أمير المؤمنين، فإنك ميت في ثلاثة أيام"، وأعاد عليه القول في اليوم الثاني، وفي الغداة
من ذلك اليوم قال له: "ذهب يومان وبقي يوم وليلة، وهي لك إلى صبيحتها"2. وقد شهد عبد الرحمن بن أبي بكر أنه رأى الخنجر الذي طعن به عمر مع الهرمزان الأمير الفارسي، وجفينة أحد نصارى الحيرة وأبي لؤلؤة، أثناء اجتماع لهم، مما دفع عبيد الله بن عمر، وهو في ثورة غضب إلى قتل الهرمزان وجفينة3.
إن حادثة على هذا المستوى تحتاج إلى إثباتات مقنعة قبل الحكم الموضوعي على دوافعها، وقد اندثرت مع قتل الأشخاص الثلاثة، إذ إن إقدام أبي لؤلؤة على قتل الرجل الأول في الدولة، لأمر يخرج عن القواعد المألوفة إلا إذا كان به مس من الجنون، وهذا لم تشر إليه الرواية التاريخية4، وفي هذه الحالة لا يستطيع الباحث أن يتجاهل ربط هذه القضية بعوامل خارجية بعد رفض الأسباب الهزيلة التي تناقلها المؤرخون التقليديون حول ثقل خراج حول ثقل خراج أبي لؤلؤة، ولا أستبعد أن يكون كعب الأحبار مشتركًا فيها، أو مطلعًا على خيوطها، إذ إن تحذيره لعمر، وتحديده ليوم القتل وساعته، له دلالته، والمعروف أن اليهود أخذوا يتآمرون ضد الإسلام في كل بلد وصل إليه، ويدبرون الاغتيالات لحكام هذه البلاد المسلمة، وبدأت مؤامرتهم الدنيئة باغتيار عمر مستعينين بالفرس الموجودين في المدينة، لقد قضى عمر على الإمبراطورية الفارسية، وأخرج البيزنطيين من بلاد الشام ومصر، كما أخرج اليهود من جزيرة العرب، فأضمروا الحقد للإسلام والمسلمين بعامة، ولعمر بخاصة، فحاكوا هذه المؤامرة التي كان أبو لؤلؤة أداتها التنفيذية، وروي عن عمر قوله حين علم بأن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه: "قد كنت نهيتكم عن أن تجلبوا علينا من علوجهم أحد، فعصيتموني"
قد تكون حادثة الاغتيال تصب في مصلحة بعض المتذمرين من بقايا التجار، وأصحاب الثروات الذين وجدوا في نظام عمر الصارم ضربة لمصالحهم الحيوية، والمعروف أن عمر فرض رقابة مشددة على انتقال الشخصيات الحجازية إلى المدن