غادر المقوقس حصن بابليون، وتوجه إلى الإسكندرية حيث أرسل عهد الصلح إلى القسطنطينية، وطلب موافقة هرقل عليه, ويبدو أن بنود الصلح التبست على الإمبراطور، أهي عامة تطبق على البلاد كلها، أم خاصة يحصن بابليون؟ وهل يبقى المسلمون في البلاد بعد أخذ الجزية، أو يرحلون عنها؟ وهل معنى ذلك التناول عن مصر للمسلمين؟ واحتاج إلى بعض الإيضاحات، لذلك استدعى المقوقس إلى القسطنطينية1.
والواقع أن المقوقس فشل في إنقاع هرقل بوجهة نظره بشأن الصلح مع المسلمين، ورأى الإمبراطور أن العوامل القومية، والجغرافية التي ساعدت هؤلاء على فتح بلاد الشام غير متوفرة في مصر، وأن بحوزته -المقوقس- قوة عسكرية كبيرة تفوق في العدد قوة المسلمين، كما أن الحصن كان محصنًا، ومتينًا يصعب على المسلمين اقتحامه، فلا يعقل والحالة هذه أن ينتصر المسلمون، ولا بد من وجود سر في الأمر أدى إلى هذه النكبة، واتهمه بالتقصير والخيانة، والتخلي للمسلمين عن مصر2، ونفاه بعد أن شهر به3، ورفض عرض الصلح مع المسلمين، إلا أنه وقف عند هذا الحد، فلم يرسل مددًا إلى مصر، ولم يفعل شيئًا من تنظيم الدفاع عن هذا البلد لرفع معنويات جنوده القتالية، ولعل مرد ذلك يعود إلى شعوره بالاضطراب في التفكير، إذ إن الدولة البيزنطية ترزح تحت عبء ثقيل من عار الهزيمة على أيدي المسلمين في بلاد الشام الذين طردوا البيزنطيين منها، وانتشر هؤلاء في أرجاء مصر يفتحون المدن، ويبثون الرعب في نفوس السكان4.
علم المسلمون برفض هرقل لعهد الصلح في شهر "ذي الحجة 19هـ/ كانون الأول 640م"، فانتهت بذلك الهدنة، واستأنف الطرفان القتال، كان المدافعون عن الحصن قد قل عددهم بسبب قرار كثير منهم إلى الإسكندرية، ولم تأتهم نجدة من الخارج، وبدأ المرض ينتشر بينهم، وانتهى فيضان النيل، وغاض الماء عن الخندق