ويذكر اليعقوبي في هذا الصدد: "واختلف القوم في صلح بيت المقدس، فقالوا: صالح اليهود، وقالوا: صالح النصارى، والمجمع عليه النصارى"1، والراجح أن روايات يهودية دخلت في أخبار التاريخ الإسلامي قادها كعب الأحبار لإثبات الحضور اليهودي ليس في فتح بيت المقدس فحسب، بل وفي فتوح بلاد الشام أيضًا، ويفهم من مواقف الطرفين أن كلًا منهما نظر إلى المسلمين على أنهم وسطاء بينهما، فحاول استغلال الفتح الإسلامي، ونظر إليه، وكأنه خير وفرصة يستغلها، ويستخدمها لحماية نفسه ولخلاصه، فخلاص النصارى الوطنيين من الروم البيزنطيين، واليهود من النصارى بعامة، الشرقيين منهم والغربيين، والمعروف أن اليهود في بلاد الشام يكنون البغضاء للبيزنطيين، وقد بلغت ذروة التباغض بينهما في عهد هرقل الذي حرم على اليهود السكن في بيت المقدس، وثار هؤلاء ضد الحكم البيزنطي في عدة أماكن، منها أنطاكية وصور لذلك تعاون اليهود مع الفرس في الماضي، واتفقوا مع الأرمن، والنساطرة القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح، على التعاون معهم أيضًا وتسليم المنطقة للفرس، وقد حققوا هذا الأمر، لقد كان رد الفعل اليهودي تجاه الفتح الإسلامي إيجابيًا من حيث أنه قضى على حكم البيزنطيين في فلسطين، وأن ما ورد في بعض نصوص النبوءات اليهودية يكشف عن ذلك بجلاء2.
- إن اشتراط عمر على أهل بيت المقدس أن يخرجوا منها الروم، واللصوص، جاء بعبارة يكاد ينفي آخرها أولها، إذ إن أول الرواية يفيد بوجود إخراج الروم، إلا أنها تخيرهم، بعد ذلك، بين الخروج، أو الإقامة مع أداء الجزية3.
- إن إعطاء الأجناس الأخرى حرية البقاء، ودفع الجزية أو مغادرة المدينة، جاء بعبارة لا يمكن معها التنفيذ إذ قال: "ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان"، هكذا بصيغة المجهول دون ذكر اسم فلان هذا، أو ما يدل عليه أو تاريخ مقتله، ولما لا يمكن تحديد من ينطبق عليهم هذا الوصف، فلا يمكن التنفيذ، ويستحيل أن يكون هذا نصًا في معاهدة ملزمة4.