واطمأن إلى موقعه"1، والواقع أن هذا المكان كان ميدانًا قفرًا به حصى وحجارة، محاطًا بالماء والكلأ، فهو مناسب تمامًا لطبيعة العربي.
وضع عتبة أساس المدينة، وبنى المسجد الجامع من القصب، وكذلك بنى الناس منازلهم، وكلف عاصمًا بن دلف لينزل القبائل في مواضعها، وتم بناء المباني الخاصة بدوائر الحكومة والإدارة، وفي عام "17هـ/ 638م" اندلعت النار في المكان، فاحترق أكثر البيوت، فأرسل سعد إلى الخليفة يستأذنه في بناء مبان من اللبن تكون أكثر ثباتًا، فوافق عمر لكنه أكد على ألا يبني الفرد أكثر من ثلاث حجرات في المنزل2، كما أمر بشق قناة تصل المدينة بدجلة، وأضحت البصرة بعد ذلك، ثغر العراق على الخليج العربي.
استأذن عتبة الخليفة في أن يقدم عليه في المدينة، فأذن له، فاستخلف المغيرة بن شعبة على البصرة، وأقر عمر إمارته، فظل بها حتى شهر "ربيع الأول 17هـ/ نيسان 638م"، عندما استبدله بأبي موسى الأشعري، فاختط البصرة من جديد، وأقام البناء باللبن، والطين ووسع المسجد الجامع، وجدد دار الإمارة3.
تمصير الكوفة:
استقر المسلمون في المدائن بعد فتحها، ويبدو أن البنية الجغرافية لهذا الإقليم لم تتناسب مع ما ألفه العرب من جو صحراوي مفتوح، فشحب لونهم، فلما وقف الخليفة على ذلك كتب إلى سعد يأمره بأن يتخذ للمسلمين دار هجرة يقيمون فيها، وأن يختار مكانًا مناسبًا بحيث لا يكون بينهم، وبينه بحر ولا جسر4، وإنما أراد عمر بهذا أن يحقق عدة أهداف لعل أهمها:
- أن يكون المكان المختار لمقام هؤلاء العرب جافًا كالبادية، وتجري فيه، مع ذلك، المياه الصالحة.
- أن تكون المدينة الجديدة قاعدة متقدمة لإمداد بشري للفاتحين بحيث لا يحول بحر، ولا جسر دون إرسال المدد إلى الجند المقيمين في هذه المنطقة إذا احتاجوا يومًا إليه.
- أن يشكل الموضع مركز انطلاق عسكري يساعد على تثبيت أقدام المسلمين في البلدان المفتوحة