عاجزًا عن الحركة والمشي، فتمركز في قصر ملكي قديم في القادسية، واستند على وسادة، وأشرف على سير المعركة، وتوجيه المقاتلين بواسطة الرقع التي كان يرمي بها إلى خالد بن عرفطة الذي عينه قائدًا عنه، تتضمن أوامره1. والتحم أقدر قائدين على أرض العراق في رحى معركة طاحنة استمرت ثلاثة أيام2، ونصف اليوم، تبادل الطرفان خلالها النصر والهزيمة، وانتهت بانتصار المسملين، وقتل رستم في المعركة، كما قتل الجالينوس أثناء فراره3.
رسالة الفتح إلى المدينة:
نظرًا لأهمية معركة القادسية على الوضع الإسلامي العام، كان الناس في كافة أرجاء الجزيرة العربية يتابعون أخبارها شوقًا لمعرفة نتائجها4، وكان عمر أشد الناس قلقًا، لذلك كان يخرج كل صباح إلى ظاهر المدينة يتلمس الأخبار، ويسأل الركبان عن أهل القادسية، فإذا انتصف النهار رجع إلى منزله5.
والواقع أن سعدًا كتب إلى عمر في صباح اليوم التالي للانتصار، يبشره بفتح القادسية، ويشرح له تفاصيل ما جرى من قتال6، وعندما تسلم عمر الرسالة قرأها على الناس، وعلق على هذا الإنجاز بشيء من التواضع7.
استمر سعد يكتب إلى عمر كلما واجهته مشكلة جديدة ناتجة عن عملية الفتح، مثل تقسيم الغنائم، والعلاقة مع أهل البلاد المفتوحة الذين نقضوا عهود الصلح مع المسلمين، وساندوا الفرس، فيرسل إليه قرار حلها.
ففيما يتعلق بتقسيم الغنائم، كان نصيب الفارس ستة آلاف، ونصيب الراجل ألفين، فأمر عمر سعدًا أن يفضل أهل البلاء عند العطاء، فزاد كل واحد منهم خمسائة، كما أمره بأن يعطي حملة القرآن8.
وأما فيما يتعلق بالعلاقة مع أهل البلاد المفتوحة، فقد قسمهم إلى قسمين:
الأول: من استمر على عهده ولم يساعد الفرس، فلهم الذمة، وعليهم الجزية.
الثاني: من ادعى أنه استكره، ولم يخالف الفرس واسندهم في القتال، فيجب قتلهم9.