- استفاد المسلمون من أخطاء معركة الجسر، وأثبتت تجربة البويب التي خاضوها في ظروف مشابهة ذلك، بل إن المثنى استطاع أن يعيد مشاهد معركة الجسر بحذافيرها إنما بشكل معكوس، أي تبادل الغالب، والمغلوب أوضاعهما، فضلًا عن أنه نجح في الانسحاب مع من تبقى من جيشه، في حين لم ينجح الفرس في سحب قواتهم في البويب، بل تبددت وأبيدت على ضخامة حجمها.
- كان من بين عوامل الانتصار التصاق المثنى كقائد في ميدان المعركة بقواته حيث ربطته بهم محبة فياضة، وذلك من خلال أحاديثه معهم، وطوافه بفرسه الشموس على راياتهم، يحمسهم ويعطيهم توجيهاته، ويحرك مشاعرهم، فضلًا عن طوافة بينهم والمعركة دائرة، ولا يغفل عن ملاحظة أي حادث يمكن أن يؤثر على معنوياتهم، فيستدركه، من ذلك ما فعل حين أصيب أخوه مسعود إصابة قاتلة، ورأى أثر ذلك على المقاتلين، فطلب منهم مواصلة القتال، ورفع الرايات حتى ينضوي تحتها المقاتلون، فقال: "يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي، فإن مصارع خياركم هكذا"، ولا يقل عن هذا قوله عن نفسه مستبشرًا بالشهادة: "ارفعوا راياتكم رفعكم الله، لا يهولنكم مصرعي".
- أرسل المثنى بعض السرايا إلى عمق الجبهة مع الفرس، وذلك لتحقيق هدفين:
الأول: تشتيت قوى العدو وإرباكها، ومنعها من إعادة التجمع، فراح المسلمون يشنون الغارات فيما بين كسكر، وجنوبي الفرات إلى عين التمر، وما والاها من أرض الفلاليج1 والعال2، فشملت جميع الجنوب العراقي، وامتدت حتى تكريت3 وصفين4، وبلغوا ساباط5 على مرأى من المدائن، فغنموا وسبوا كثيرًا بحيث لم يحظ بمثلها مسلم مقاتل من قبل.
الثاني: الحصول على الأقوات الضرورية لتموين قواته، فهاجم المسلمون قرى السواد، وأسواق العراق الغنية مثل الخنافس، وبغداد.