تعاليم محمد، فصمم على قتله، وأثناء عودته إلى بيته ليستعد لتنفيذ الخطة الحاسمة شاهد جارة له كان يعذبها، قد جمعت متاعها، ووقفت أمام منزلها تنتظر زوجها ليخرجا معًا إلى الحبشة، فاقترب منها، وبادرها قائلًا: "إنه للانطلاق يا أم عبد الله"1، ولم يكن في صوته حدة أو دليل عدوان، فأجابته: "نعم، والله لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله فرجًا"2، وسكت عمر وراح يفكر خلال صمته بجارته التي ستخرج أيضًا لتلحق، وزوجها بمن سبقهما، وازداد حزنه حتى رق قلبه لهذا الفراق، وسرت الرقة في صوته، وهو يحاورها، ويقول لها: "صحبكم الله" حتى طمعت في إسلامه لما تنبهت إلى تغيير نبرة صوته، واختلاف حركاته، قال لها زوجها عندما أخبرته: "فلا يسلم الذي رأيته حتى يسلم حمار الخطاب"3.

أما عمر فقد خرج من بيته بعد قليل متوشحًا سيفه، ويمم وجهه صوب دار الأرقم حيث يجتمع محمد بأصحابه، ليقتله أمامهم وبخاصة حمزة الذي ضرب أبا جهل وشجه في رأسه، ثم اعتنق الإسلام، حتى يلقنه درسًا قاسيًا، ولا يجرؤ بعد ذلك على تهديد فرسان قريش، وقد صمم على قتله إن هو حاول أن يعترضه، أو يدافع عن ابن أخيه، وبذلك يكون قد أخمد الفتنة التي أحدثتها تعاليم محمد.

وفجأة لقيه أحد أصدقائه، وهو نعيم بن عبد الله النحام من بني عدي، وكان قد أسلم سرًا، فسأله عن وجهته، فأجابه عمر: "أريد محمدًا، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها، فأقتله"4، وقال له صاحبه وهو يحاوره، وقد خشي على محمد غضبة عمر، فأراد أن يصرفه عما اعتزم: "والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمدًا، أفلا ترجع إلى أهل بيتك، فتقيم أمرهم"5.

غضب عمر لكلام نعيم، فلم يكن يعلم بإسلام أخته فاطمة، وختنه وابن عمه سعيد بن زيد، فنسي غايته التي خرج من بيته لأجلها، وولى وجهة شطر بيت أخته، وقد انتفخت أوداجه بنار الغضب، وما إن وصل إلى المنزل حتى سمع صوت هيمنة لرجل غريب يتلو، فقرع الباب بشدة فزع لها من بالداخل، وسألوا من بالباب، فأجاب: "أنا عمر" فارتج عليهم عندما سمعوا صوته وارتبكوا، وأسرعوا يخفون ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015