حملة من ثلاثة آلاف مقاتل لتأديب القبائل العربية إن لم تستجب لدعوة الإسلام، وإشعارها بقوة الدولة الإسلامية، وقدرتها على ردع المعتدين والغادرين، وأوصى قائدها: "إن لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها، فاقبل منهم واكفف عنهم، الدخول في الإسلام، أو إعطاء الجزية أو القتال"1.

وأدرك النبي مدى الخطر الذي يهدد الحملة أمام القوات البيزنطية وخلفائها، فسمى ثلاثة قادة يخلف الواحد منهم الآخر في حال استشهاده، وهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة2.

حشد هرقل، الذي كان يتتبع أخبار تحرك المسلمين من مقره في أنطاكية، قوة عسكرية بيزنطية بقيادة أخيه تيودور زحفت باتجاه الجنوب، وعسكرت في مؤاب من أرض البلقاء، وانضمت إليها في هذا المكان قوات عربية موالية من بهراء، ووائل بن بكر ولخم، وجذام تقدر بمائة ألف مقاتل3.

خرجت الحملة الإسلامية من المدينة في شهر "جمادى الأولى 8هـ/ أيلول 629م"، وعسكرت في مدينة معان في طرف بادية الشام من أرض البلقاء، وترامت إلى مسامع قادتها أنباء الحشود الضخمة التي حشدها هرقل، فعقدوا مجلسًا حربيًا للتشاور في أمر الحرب، وقرروا المضي في مهمتهم، فانحازوا إلى قرية مؤتة ليتحصنوا بها، وجرى اللقاء بين الطرفين في هذه القرية4.

والواقع أن الحملة كانت أقرب إلى أن تكون حملة استطلاعية منها إلى حملة هدفها الدخول في صدام مسلح غير متكافئ، على الرغم من وصية النبي لقادتها بقتال المشركين، بدليل قلة الخسائر التي لم تتجاوز عشرة قتلى بالإضافة إلى القادة الثلاثة، وانعدام تفاصيل تتعلق بسير القتال وطبيعته، والمعروف أن خالد بن الوليد تسلم قيادة الجيش بعد استشهاده القادة الثلاثة، وتراجع من ساحة المعركة وفق خطة تكتيكية، وعاد إلى المدينة5.

لكن ذلك لا يعني التقليل من أهمية المواجهة من جانب المسلمين، حيث كان لاستشهاد القادة الثلاثة تأثير عميق في المدينة، كما شكلت حافزًا جديدًا للاستمرار في هذه السياسة، ولم ير النبي فيها إخفاقًا، أو تراجعًا لمشروعه "ليسوا بالفرار، ولكنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015