في الصراع على بلاد الشام، يؤكد هذا ما ذكره الواقدي من أنه قيل للنبي، وهو بصدد مهاجمة دومة الجندل: "إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت منها لكان ذلك مما يفزع قيصر"1.

وتكتفت هجمات المسلمين على المناطق الحدودية مع بلاد الشام في العام السادس للهجرة، نذكر منها سرية زيد بن حارثة التي انتهت إلى العيص2، وتلك التي انتهت إلى حسمي وراء وادي القرى، وقد ارتبطت كسبب بدحية بن الخليفة الكلبي، وكان عائدًا من بلاد الشام بعد أن اجتمع بهرقل، فهاجمته جماعة من جذام بقيادة الهنيد بن عارض ومعه ابنه، ولا تشير الرواية إلى دور هذا الرجل، أو علاقته بالنبي إلا أن اسمه يتردد فيما بعد كمبعوث له إلى بلاد الشام حاملًا رسالته إلى هرقل، وتدل قرائن هذه المهمة الثانية أن لها علاقة بمهمة دحية الأولى، أو هي استكمال لها، بدليل أن النبي لم يتردد في إرسال قوة عسركية للانتقام له، بقيادة زيد بن حارثة، فاجأت بني جذام، وقتل زيد الهنيد وابنه3.

ويبدو أن هذه السرية لم تكن محصورة بنتائجها الثأرية، ولكنها مهدت لقيام علاقة وثيقة بين المدينة، وقبيلة جذام سيكون لها تأثيرها في مسار السياسة التي انتهجها النبي تجاه القبائل العربية4، فقد تحدثت روايات المصادر على قدوم رفاعة بن زيد الجذامي في رهط من قومه إلى المدينة معتنقًا الإسلام، وأجرى مباحثات مع النبي تمحض عنها ما يشبه المعاهدة، لم تصلنا بنودها إنما عرفت بنتائجها، فقد وافق النبي على إطلاق سراح الأسرى، والأموال التي غنمها زيد، وأرسل عليًا بن أبي طالب مع الوفد لتنفيذ الاتفاق5، وستهيمن روح هذه المعاهدة على المعاهدات التي سوف يعقدها النبي في المستقبل مع القبائل العربية المتنصرة.

وثمة سرية أخرى خرجت في شهر "رجب 6هـ/ كانون الأول 627م" باتجاه وادي القرى بقيادة زيد بن حارثة6، وقد أغفلت روايات المصادر دوافعها ونتائجها، إنما يمكن القول بأنها تتعلق بسياسة النبي الشامية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015