وضعية خاصة ذات ملامح منفردة ومصيرية، وبرزت فورًا مسألة الحفاظ على أنجازاته من دين ودولة، وبالتالي مسألة خلافته.

وساهمت غيبته في إبراز الطابع الدنيوي لأحداث، حيث أخذت المصالح الاجتماعية للقبائل المختلفة، التي ما زالت ضمن الحظيرة الإسلامية، تعبر عن نفسها بأشكال مباشرة، وصريحة تتلاءم مباشرة مع محتواها.

والواضح أن مسألة قيادة المسلمين بعد وفاة النبي، كانت المسألة الرئيسية والحماسة التي ارتبطت بها كل المسائل الأخرى على أن تتلازم مع الأسس التي وضعها لإقامة دولة، ولا يستطيع المؤرخ لتاريخ صدر الإسلام السياسي، والاجتماعي أن يتجاهل التناقضات، والصراعات التي تفجرت بعد وفاته.

ففي الوقت الذي أعلن فيه خبر الوفاة، برزت لدى كبار الصحابة من الأنصار، الأوس والخزرج، قضية اختيار خليفة للنبي، ذلك أنه لم يرد في القرآن الكريم نص صريح يحدد أسس انتخاب خليفة لرسول الله، لكنه دعا إلى الشورى، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 37، 38] ، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] .

الواضح أن كلمة الشورى قرآنية كما يتضح من الآيتين السالفتين، أما الأولى، فتحدد للأمة الإسلامية خصائص من بينها أن "أمرهم شورى بينهم"، وأما الثانية، فقد نزلت بعد هزية أحد، ومن المعروف أن النبي شاور أصحابه قبل الخروج إلى أحد، وهي التي أدت إلى هذا الخروج للقاء المشركين في ميدان مكشون، وكان رأي النبي التحصن بالمدينة، وعدم الخروج.

وهكذا فإن القرآن الكريم يطلب من النبي استشارة الأمة في الأمر حتى تنتفي الشبهة تمامًا في المسألة، وهذا الأمر هو لفظ عام للأفعال، والأقوال والأحوال، ومن ضمنها مسائل الحرب التي أدت الآراء المختلفة فيها إلى الهزيمة1.

وتنفيذًا لهذا التوجه، لم يضع النبي تفاصيل خارجة عن إطار هذه المعاني القرآنية العامة، وبقيت سياسته منسجمة مع الهيكلية القبلية، ولم تمس نهائيًا زعاماتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015