تاريخ الخلفاء (صفحة 211)

وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به الذابين عنه، ثم ذكر قرابتهم في آيات القرآن، إلى أن قال: فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب ومروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لهم حينًا حتى آسفوه، فانتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله، يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، لم تفتروا عن ذلك، ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور، فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا، وقد زدت في أعطياتكم مائة مائة؛ فاستعدوا فأنا السفاح المبيح، والثائر المبير.

وكان عيسى بن علي إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول: إن أربعة عشر رجلًا خرجوا من دارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم، شديدة قلوبهم،

ولما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر كما تقدم، ثم قتل، وقتل في مبايعة السفاح من بني أمية وجندهم ما لا يحصى من الخلائق، وتوطدت له الممالك إلى أقصى المغرب.

قال الذهبي: بدولته تفرقت الجماعة، وخرج عن الطاعة ما بين تاهرت وطبنة إلى بلاد السودان، وجميع مملكة الأندلس، وخرج بهذه البلاد من تغلب عليها واستمر ذلك.

مات السفاح بالجدري في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وكان قد عهد إلى أخيه أبي جعفر، كان في سنة أربع وثلاثين قد انتقل إلى الأنبار، وصيرها دار الخلافة.

ومن أخبار السفاح، قال الصولي: من كلامه: إذا عظمت القدرة قلت الشهوة، وقل تبرع إلا معه حق مضاع، وقال: إن من أدنياء الناس ووضعائهم من عدّ البخل حزمًا، والحلم ذلًّا، وقال: إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة، والصبر حسن إلا على ما أوقع الدين وأوهن السلطان، والأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة.

قال الصولي: وكان السفاح أسخى الناس، ما وعد عدة فأخرها عن وقتها، ولا قام من مجلسه حتى يقضيها، وقال له عبد الله بن حسن مرة: سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها قط، فأمره بها فأحضرت، وأمر بحملها معه إلى منزله.

قال: وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله وبه يؤمن. وقل ما يروى له من الشعر.

وقال سعيد بن مسلم الباهلي: دخل عبد الله بن حسن على السفاح مرة، والمجلس غاص ببني هاشم والشيعة ووجوه الناس، ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف، قال له: إن عليًّا جدك كان خيرًا مني وأعدل، ولي هذا الأمر، أفأعطى جديك الحسن والحسين -وكان خيرًا منك- شيئًا؟ وكان الواجب أن أعطيك مثله، فإن كنت فعلت فقد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، فانصرف ولم يحر جوابًا، وعجب الناس من جواب السفاح.

قال المؤرخون: في دولة بني العباس افترقت كلمة الإسلام، وسقط اسم العرب من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015