وفي سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة، وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد، فبايعوه، وهو أول من عهد بالخلافة لابنه، وأول من عهد بها في صحته، ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة، فخطب مروان فقال: إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: بل سنة كسرى وقيصر وإن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما.
ثم حج معاوية سنة إحدى وخمسين، وأخذ البيعة لابنه فبعث إلى ابن عمر فتشهد وقال: أما بعد يابن عمر، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو أن تسعى في فساد ذات بينهم، فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم، فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر، ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، وقال: إنك لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة1، ثم وثب ومضى، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أني يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك، ثم أرسل إلى ابن الزبير، فقال: يابن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما، وحملتهما على غير رأيهما، فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكم نسمع ونطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا، ثم راح، فصعد معاوية المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار2، زعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا له على رءوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن أبي بكر، وابن الزبير، وهم يقولون: لا والله ما بايعنا، فيقول الناس: بلى، وارتحل معاوية فلحق بالشام.
وعن ابن المنكدر قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاء صبرنا.