فإنه أفرغها من محتواها الثوري الذي وجدت من أجله، وحولها إلى شبه كنائس، وذلك إذا سلمت من الهدم ولم تحول مادياً إلى مقرات لمؤسسات أخرى دينية أو اقتصادية أو سياسية أو عسكرية.
إن هذه الحقيقة التاريخية هي التي جعلت الجزائر تلجأ إلى الدين:
تخلصه من بعض ماعلق به من شوائب، وفي ذات الحين ترتكز عليه لتزويد المجاهدين بالطاقة الضرورية لهم في مواجهتهم لأعتى قوة استعمارية تفوقهم عدة وعتادا، ولتعبئة الجماهير الشعبية الواسعة وتوعيتها بالوضع الجديد الذي يجب أن تتكيف معه حتى تتمكن من المشاركة الفعلية في معركة التحرير.
وبالفعل، فإن الذي يرجع، بتأمل، إلى تاريخ ثورة نوفمبر يرى أن التكبير والترغيب في الشهادة قد أديا دوراً أساسياً في تثبيت العزائم وتقوية النفوس وتجنيد أغلبية المواطنين حول جبهة التحرير الوطني.
ب - إن الاستعمار كان وما زال يدرك أن شعباً بلا ثقافة شعب ميت، وأن الاحتلال الحقيقي لا يتم إلا عندما يقضي على ثقافة الشعب المعتدى عليه. فانطلاقاً من هذه القناعة عمدت السلطات الاستعمارية، في بلادنا، إلى تجهيل الجماهير، وتزييف التراث الوطني وطمس معالم الثقافة ومصادرها. بادرت إلى صنع ثقافة جديدة لا علاقة لها بواقعنا، ومثقفين، من نوع جديد، زودتهم بالقيم والأخلاق الاستعمارية. وهنا، أنبه إلى أن التعليم ليس هو الثقافة، وأن هناك من الحصول على الثقافة، وأن هناك من المتعلمين باللغة الفرنسية من تمكنوا من الحصول على ثقافة وطنية واسعة.
إن جبهة التحرير الوطني لم تكن تجهل هذا المسعى الاستعماري، ومن ثمة، فإنها إلى جانب الكفاح المسلح، كانت تنظم، في الأرياف خاصة وفي أوساط المجاهدين بصفة عامة، حملات متواصلة لمحو الأمية، وتغيير الذهنيات الجامدة ولرفع مستوى الوعي لدى الفلاحين والعمال، كما أنها كانت تعمل، جاهدة على دعم الأخلاق الثورية المرتكزة على قيمنا العربية الإسلامية، تلكم القيم التي سيكون منها المنطلق لبلورة عناصر الشخصية الوطنية، ولتكوين الإنسان الجزائري الجديد القادر على الإسهام بفعالية في معركة البناء والتشييد من أجل استرجاع السيادة الوطنية وإقامة الدولة القوية المستقلة.
وحينما اتخذت القيادة العليا لجبهة التحرير الوطني قرارها التاريخي الخاص بتفجير الثورة ليلة الفاتح من نوفمبر عام أربعة وخمسين وتسعمائة وألف، قسمت البلاد إلى ست مناطق عينت على رأس كل واحدة منها مسؤولاً،