يحسن القراءة والكتابة سواء بالعربية أو بالفرنسية، وكانت جامعة الجزائر التي تعد، نظرياً، من أكبر جامعات فرنسا تجمع في مدرجاتها حوالي ستة آلاف طالب، لا يزيد عدد الجزائريين منهم عن خمسمائة طالب، معظمهم من أبناء الطبقات التي صنعها الاستعمار لخدمة مصالحه (25).

ولكن ماذكرنا، أعلاه ليس هو وجهة نظر المؤرخين الغربيين الذين على غرار السيد هورن (26) يشيدون بما حققته فرنسا، في الجزائر، من منجزات تتمثل في: "شبكة الطرقات والسكك الحديدية والمطارات والمدن الكبرى والمواني، إلى جانب الغاز والكهرباء والمواصلات السلكية واللاسلكية والمنشآت الصحية والخدمات الطبية المتعددة" (27) والحقيقة، أن ذلك ليس مجرد ادعاء، لقد أنجزت فرنسا، ولا يمكن للمؤرخ النزيه أن ينكر ذلك، لكن كل الإنجازات كانت موجهة لخدمة مصالح الأوربيين. وحيث لا وجود للمستعمر، فإن تلك الإنجازات لم تصل ولم تتحقق.

ففي مجال التعليم الابتدائي، مثلاً، نجد أن الأطفال الفرنسيين الذين هم في سن الدراسة كلهم يقبلون في المدارس التي تطبق البرامج السارية المفعول في "الوطن الأم"، وبواسطة معلمين أكفاء تعطى لهم كافة الوسائل الضرورية لأداء رسالتهم على أحسن وجه. أما الأطفال الجزائريون، فإن المصادر المتزمتة نفسها تذكر بأنهم عندما يبلغون سن الدراسة، لا يجدون سوى مقعد واحد لكل خمسة ذكور، ومقعد آخر لعدد يتراوح ما بين ست عشرة وست وسبعين فتاة (28)، معنى ذلك أن طفلين جزائريين فقط من جملة حوالي ثلاثين كان يمكن لهما أن يدخلا المدرسة في سنة 1954 (29)، الأمر الذي يسمح لنا أن نؤكد بأن حوالي 7% فقط من أبناء الجزائر كانت لهم فرصة التعليم، أضف إلى ذلك نسب الفشل والعجز عن مواصلة الدراسة نتيجة الفقر والاحتجاج خاصة.

ولم تكتف السلطات الاستعمارية بسد أبواب التعليم الفرنسي في وجه الجزائريين، بل إنها بذلت كل ما في وسعها لمحاربة اللغة العربية سواء في المدارس أو في الكتاتيب (30).

ولقد نجحت في ذلك إلى أقصى الحدود حتى إن الجزائر التي كانت قبل الاحتلال، توفر لكافة أبنائها جميع الشروط اللازمة للحصول على نصيبهم في العلم والمعرفة، قد أصبح شعبها أمياً بنسبة حوالي ثمانين بالمائة سنة اندلاع الثورة (31).

وهكذا، فبقدر ما كانت الجالية الأوربية تستفيد من بناء المدارس ونشر المعرفة، كان الجزائريون يعانون من سياسة التجهيل التي نجح الاستعمار نجاحاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015