من الأعشاب والنباتات التي تجود بها الطبيعة.
وما كاد يحل الاحتفال بمرور قرن على الاحتلال حتى فقدت الجزائر قدرتها على تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتحولت من منتج للحبوب ومصدر لها إلى بلد مضطر لاستيراد المواد الغذائية الضرورية لحاجات سكانه (8).
مثل هذه الحقائق تفرض علينا طرح أسئلة كثيرة، وفي مقدمتها: كيف انقلبت الأوضاع بهذه الصورة وبتلك السرعة؟ والجواب يكون سهلاً ومعقولاً، إلا على الفرنسيين، ويكمن في التالي: إن المهاجرين الأوربيين كانوا يجهلون طريقة الاعتناء بالفلاحة، ولم يكونوا يهدفون لغير الإثراء بأية طريقة كانت، لأجل ذلك، ركزوا مجهوداتهم على استنزاف الثروات، وتسخير الأرض بدون حساب، كما أنهم لم يهتموا باستصلاح الأراضي البور، أو الأراضي الموات الممتدة على ملايين الهكتارات جنوب التل شرقاً وغرباً.
وبالإضافة إلى إهمال العمليات الاستصلاحية التي كان من الممكن أن تقلب الجنوب الجزائري جنة خضراء، قادرة على تغذية عشرات الملايين من البشر، فإن المستعمرين قد وجهوا ضربة قاسية ما زالت بصماتها واضحة المعالم على فلاحتنا، وتتمثل في تخصيص حوالي نصف مليون هكتار من أحسن الأراضي لغراسة الكروم المنتجة لعنب الخمور، مع العلم أن الجزائريين مسلمون ولا يستهلكون المشروبات الكحولية (9).
وعلى حساب الحبوب أيضاً اهتم الكولون بالحوامض التي كانت تدر عليهم أضعاف أضعاف ما كانوا يجنونه من القمح والشعير (10). ولقد تطور منتوجها من سبعمائة ألف قنطار سنة 1931م إلى مليونين وسبعمائة وستة عشر ألف قنطار سنة 1950م (11) وأصبح بذلك يحتل المرتبة الثانية في قائمة الصادرات بعد الخمور التي كانت تنتج بمعدل 16 مليون هكتار سنوياً عندما اندلعت الثورة الجزائرية.
ولصالح الكروم والحوامض قضي، في ضواحي معسكر، على زراعة الأرز (12) وكذلك الأمر في شمال شرقي الجزائر، حيث أهملت زراعة القمح وسائر أنواع الحبوب الغذائية والفول والعدس وغيرها.
وإذا كانت مغارس الكروم والحوامض قد أنشئت على حساب زراعة القمح والشعير، فإن اقتصار المعمرين على استغلال المساحات التي وجدها عند الغزو، وعدم التفاتهم إلى الجنوب حيث تتكاثر المياه الجوفية، قد أديا، بسبب ارتفاع عدد السكان وبالتالي تزايد الحاجيات، إلى تحويل الجزائر من بلد مزدهر إلى مستعمرة لا يستفيد منها سوى الكولون الذين اجتمعت بين أيديهم حوالي