الحضر الأغنياء، وكان الركب يتوقف من وقت لآخر فيعزف الموسيقيون ألحانهم، بينما الحضريون جالسين على مصطبة عالية غارقين تحت تأثير الموسيقى اللذيذ. وقد ذكر أحد الأوروبيين أن عازف الموسيقى في الجزائر يربح من عزفه أكثر مما يربحه عشرة من الأدباء (?). وكان هناك كثير من الهواة المشتغلين بالموسيقى، ولكن الذين كانوا يعزفون أمام العامة هم الذين يكسبون قوت يومهم من هذه الحرفة. أما الآخرون فيعزفونها في أوقات فراغهم ولأنفسهم، كما أشرنا، وذكر الورتلاني أن الشيخ علي المهاجري كان زمارا مشهورا بلغ الغاية في صنعته حتى أصبح الناس يشترطونه في الأعراس، ولا شك أنه كان يأخذ أموالا طائلة على ذلك، رغم أن الورتلاني قد حكم بحرمة صنعته لأن (زمارته تلهى كل اللهو)، لانضمام (النساء والشبان والرقص وذكر الخدود والقدود) إليها (?)، وبالإضافة إلى (الموبقات) التي فصلها الورتلاني، نشير إلى ما ذكره الدكتور شو من أن الشبان كانوا يقضون أوقاتهم في المقاهي يلعبون الشطرنج أو يأخذون خليلاتهم إلى الحقول حاملين معهم الخمر والآلات الموسيقية، بينما كان بعضهم يظلون في الحانات أو في دكان الحلاقين يشربون ويتجاذبون أطراف الحديث (?).

ومهما كان الأمر فقد كان هناك على الأقل ثلاثة أنواع من الموسيقى، موسيقى الحضر أو الأندلسية، وموسيقى البدو، وموسيقى العثمانيين، ويمتاز كل نوع ببعض الخصائص وبعض الآلات الموسيقية. وتعتبر الموسيقى الحضرية أكثر تنوعا وتنغيما من موسيقى البدو، حسب الذين درسوها، ذلك أن معظم أنغامها حية ولذيذة، وهي أيضا تعزف بعدد من الآلات يفوق عدد آلات النوعين الآخرين، ومن جهة أخرى كان العزف يتم من الذاكرة وليس من نوطة يتعلمها العازفون، كما أنها قد بلغت من التعدد والتنوع أن أصبحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015