الجزائر، وضريح محمد الهواري في وهران (?) والزاوية الملارية في قسنطينة وزاوية السنوسي بتلمسان وغيرها كثير.

ولكن الحالة السابقة لم تأت فجأة بل كانت هناك ظروف دينية واجتماعية هيأت لها. ومن ذلك الصراع الحاد الذي نشأ بين المجتهدين والتقليديين. ذلك أن الموحدين كانوا قد تسامحوا مع التأويل العقلي والاجتهاد في أصول الدين والتوحيد، ولكنهم لم يتسامحوا مثل ذلك في أمور الفروع، ومن ثمة عزلوا عنهم فقهاء المالكية وكادت دراسات الفروع في المغرب العربي يقضى عليها، وأصبح هناك حزبان، حزب المتأولين (المتفلسفين) وتسانده الدولة وحزب المعارضين المتشبثين بالفروع. وبعد انتهاء عهد الموحدين، وقيام الدول الثلاث (المرينية والزيانية والحفصية) على أنقاضهم انتعش الحزب الأخير الذي كان ناقما على الدولة وتقلص الأول، كما لاحظنا. وقد نادى أنصار الفروع بإحياء السنة والعناية بالمسائل الفقهية. وبالإضافة إلى الاتجاهين السابقين ظهر في نفس الفترة الاتجاه الصوفي (العملي) الذي أشرنا إليه أيضا (?).

وشيئا فشيئا ازدهرت العلوم الدينية ولا سيما في الشرق الجزائري لصلته بالدولة الحفصية وتخلف المتأولين (المجتهدين) وتركوا مكانهم للمتصوفين، وتعايش الفقهاء والمتصوفة فترة لأن معظم العلماء كانوا يجمعون بين الحقيقة والشريعة، بين علوم أهل الظاهر وعلوم أهل الباطن، وكانوا في نفس الوقت متمكنين من أمور الدين كما كانوا غير ميالين إلى الجدل الذي هو أساس الفلسفة وطريق الاجتهاد. وعندما ضعفت هذه الروح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015