ذلك لأن هناك عائلتين، واحدة في بنطيوس، والأخرى في المقران، تدعيان الانحدار من نسل الأخضري، ومن جهة أخرى فإن نضجه العلمي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان الأخضري قد تقدم في السن. ومهما كان الأمر فقد قضى الأخضري حياته في التعليم والكتابة في زاوية عائلته في بنطيوس وتخرج على يديه تلاميذ عديدون. وكان يذهب في الصيف إلى الهضاب العليا (سطيف ونواحيها) للابتراد فأدركته الوفاة في أحد الأصياف في كجال سنة 953، بناء على معظم الروايات.
ولم يدع الأخضري أثناء حياته كرامة ولا كشف ستر ولا إدراك علم الظاهر والباطن، وإنما كان عالما عاملا يؤلف المتون ويشرحها ويجمع الكتب ويفهمها ويجلس للدرس ويخرج التلاميذ، شأن العلماء الصالحين. غير أن المتأخرين، في عصر أصبح العقل فيه يتقبل كل ناعقة، هم الذين نسبوا إليه الكرامات الكثيرة التي منها أن صاحب دعوى قد ظهر وادعى أنه يطعم الناس التمر الرطب في غير وقته. فذهب إليه الأخضري ووضع يده على زنده فإذا التمر يصبح روث بهائم. ومنها أن الأرض قد طويت بجثمانه بعد وفاته في كجال فعاد به الناس إلى مسقط رأسه لدفنه في فترة قصيرة، ورجعوا في نفس اليوم. وهناك كرامات أخرى تتعلق بكتبه التي سرقت منه وبغضبه على حكام الوقت وعلى اللصوص. وكان الأخضري قد تلقى ورد الطريقة الشاذلية والزروقية على الشيخ محمد بن علي الخروبي عند مرور هذا بالزاب (حيث بنطيوس) في طريقه إلى الحج. كما درس الأخضري على مرابط قرية ليشانة غير البعيدة من مسقط رأسه، وهو الشيخ عبد الرحمن بن القرون. ولعله قد تأثر أيضا بتعاليم عمر الوزان الذي يجمع بين العلم والعمل به وبين التصوف والفقه، كما سبق أن عرفنا. وقد أخذ الأخضري يتجول في