وإلى الكتب المؤلفة في العهد العثماني مثل (البستان) و (منشور الهداية) ورحلة الورتلاني وغيرها يعثر على عدد من هؤلاء المرابطين المغمورين الذين لا يعرف الناس عنهم أكثر من أسمائهم وبعض الأساطير حولهم. ومهما يكن من أمر فإن ذلك يدل على خصوبة الحياة الصوفية في الجزائر قبل العهد العثماني.
ومن جهة أخرى فإن التصوف قد انتشر في المدن قبل الأرياف. ذلك أن معظم المتصوفين قد ظهروا في المدن الكبيرة مثل بجاية وتلمسان ووهران وقسنطينة والجزائر. وكان ذلك ظاهرة عامة في الأندلس وتونس وفاس ومصر أيضا. وكان أبو الحسن الشاذلي نفسه قد عاش في تونس ثم في القاهرة، وكانت الأولى عاصمة للحفصيين والثانية عاصمة للأيوبيين (?). وكان أبو مدين قبله أندلسيا ثم بجائيا ومات في تلمسان، ونفس الشيء يقال عن عبد الرحمن الثعالبي الذي تلقى العلم في بجاية وتونس وغيرهما من المدن ثم استقر به الحال في مدينة الجزائر وهكذا كانت الزوايا أيضا مدنية كما كان أتباعهم من أهل المدن. غير أن هذه الظاهرة لم تظل كذلك، فمع ضعف الإدارة المركزية وتعفن الأحوال السياسية وكثرة الظلم والفساد انتشرت حركة التصوف إلى داخل البلاد وأسس أتباع أولئك المرابطين زوايا لهم في الأرياف أصبحت هي نفسها ملتقى لنشر العلم وبث الأخلاق الفاضلة والتحريض على الجهاد ضد العدو. فالزوايا من هذه الوجهة قد تولت عبئا كبيرا كان من قبل من اختصاص الدولة (?).