ذلك كان يقول إنه بانتقاده مثاب لأن عليه أن يبين الحق) (?). وهذا الشيخ علي المرواني، وهو من تلاميذ عمر الوزان، كان يفتي بالشاذ في قسنطينة وكان لا يبالي بقضاة عصره في طرح أحكامهم ونقضها ولو بالشاذ. وكان يقول معتذرا: إذا لم يعمل بالشاذ الآن فمتى، إذ لا حاجة إليه يوم القيامة (?)، وهذا الشيخ محمد البوزيدي، وهو من تلاميذ محمد التواتي، يأتي بمذهب غريب حين انتصب للتدريس بجامع القصبة في قسنطينة، وادعى دعوة كبيرة في علم التوحيد فقال: (إن المقلد غير مؤمن وأن العامة مختلف في إيمانها ويقول إن قدرة الله لا تتعلق بتحيز الجوهر. وهذا مذهب سرى في جل أهل المغرب سريان النار في الهشيم) (?). وقد سبق أن عرفنا أن علماء المغرب ادعوا حين سمعوا بتصرفات أحمد الفاسي في قسنطينة، أنه (خارجي). فرغم ظروف العصر إذن كان بعض العلماء يتململون ويحاولون أن يجدوا لهم مخرجا مما هم فيه من ضيق وتضييق عقليين. فقد كان ابن حمادوش مثلا يقرأ ما يسميه بكتب النصارى ويعجب بما فيها، ولكنه حذر، مع ذلك، مما يتعلق فيها بالدين والعقائد، وقال عن كتاب قرأه منها، بعد أن سجل إعجابه به، إنه كتاب محشو كفرا تزل فيه الأقدام.

وفي هذا النطاق وجدت ما يشبه الثورة من بعض العلماء على الجمود العقلي في عصرهم، وهو العصر الذي شاع فيه التصوف العملي من حضرة ورقص وجذب وذبائح وشعوذة، فلا غرابة أن يثور عالم كعبد الكريم الفكون فيقول متأسفا عما كان يشاهد في مدينة قسنطينة (عقول سخيفة تتوسم في مثل هؤلاء الولاية، وتنسبهم إلى أهل العناية) (?). فقد أورد كلام ابن العربي من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015