ثم ذكر شخصا آخر قال إن اسمه هو (كاروزو شمال افريقية) حاول أن يرجع إلى التراث القديم، وهو يحترم الموسيقى العربية القديمة. ولم نعرف من كلام زروقي من هو هذا الرجل أيضا. وقد انتقد زروقي أيضا ما قدم من الموسيقى الأندلسية في مؤتمر القاهرة للموسيقى (انعقد سنة 1932)، ومن رأيه أن المساس بالموسيقى الأندلسية كان (خيانة حقيقية).
واعترف محمد زروقي أن طرق التلحين الأندلسية الاثنى عشر والتي ما تزال مستعملة في المدن الرئيسية بالمغرب العربي، ليست في الحقيقة إلا مخلفات بالية من الأندلس. ولكنه اعترف أيضا أن للغرب سحره وتأثيره على المغنى الجزائري. فهذا المغني قد خضع لتأثير الأوبرا الغربية، واستمع إلى الألحان القصيرة بسرور في الأوبريت والصالونات، فأثرت تلك الألحان على مقطوعاته بالتدرج. ولكن (ها نحن نرى فيها أكبر فشل فني). ونوه محمد زروقي بالفنانة أنيسة الجزائرية التي لم تتأثر، في نظره، بالموسيقى الغربية، وظلت امرأة موسيقية موهوبة معتمدة على طريقة الغناء القديمة ومستعملة مشاعرها النسوية القوية، وهي تعتبر ذات خبرة طويلة في فن الموسيقى. وذكر زروقي أن أنيسة كانت تذهب إلى أوساط الفقراء وتعيش بينهم وإلى البدو الرحل، ثم ترجع منهم برصيد موسيقي غني ومتنوع. وقال إنها تفعل ذلك لكي تستوحي صوت أجدادها وتتسمع نفسها ثم تنطلق في ألحان تخلب الألباب. وزروقي هو الوحيد الذي رأيناه، فيما نعلم، يذكر هذه السيدة وينوه بها.
والخلاصة أن محمد زروقي انتقد الذين يقلدون الموسيقى الغربية ويتخلون عن الموسيقى الشرقية والأندلسية الأصيلة، سواء كانوا من الجزائريين أو من المصريين مثل محمد عبد الوهاب. واعتبر زروقي الموسيقى من أبرز سمات كل حضارة، إذ أن العرب يبتسمون كلما سمعوا موسيقى غربية، والأوروبيين يبتسمون كلما سمعوا موسيقى عربية. ثم إن الأوروبيين هم الذين أخذوا قديما وحديثا من الموسيقى الشرقية. ومن آخر الأمثلة أن المؤلف الموسيقي (سان سانس) الذي عاش حقبة طويلة في الجزائر قد اقتبس