يطالبون برفع الأجور. ومن الصعب أن يظهر خلال ذلك فن وكتابات زخرفية أو قباب جمالية أو محاريب رشيقة (?). والغريب أن بيرك الذي أدار الشؤون الأهلية في الجزائر ربع قرن يحمل هذه الأفكار العنصرية حتى في الفن. فبعد أن قضت الحكومة الفرنسية (المتحضرة) على مساجد ومنارات تعتبر آية في الفن بشهادة الفرنسيين أنفسهم، مثل جامع السيدة، جاء هو بعد قرن لينفي الذوق والإبداع ويجعل المسجد والفن صنيعة الإدارة (التركية). ثم إنه لم يضرب مثلا على الإبداع الفرنسي في مساجد الجزائر والذي يعتبره هو من علامات التحضر والحكم الإنساني.
ولنستمع إلى أحد الفرنسيين ينعي على سلطات بلاده هدم إحدى زوايا قسنطينة وغيرها من المعالم الإسلامية. فهذه زاوية يحيى بن محجوبة، هدمها الفرنسيون بعد قرنين من حياة صاحبها. كان ذلك سنة 1865 (?)، بدعوى مد طريق. وقد وصفها شيربونو المعاصر لعملية الهدم واعتبرها من النماذج الأكثر جمالا في الفن الإسلامي. وقد وصف بيقوني سنة 1903 نقيشة ترجع إلى هذه الزاوية وصفا يدل على قيمتها الفنية. وكانت النقيشة قد قدمت هدية إلى متحف الأشياء القديمة بالعاصمة، وهي مكتوبة على خشب الأرز، وذات شكل متعدد الأضلاع. ويقول بيقوني إن الكتابة قد تعود إلى ابن محجوبة نفسه لأنه كان من الأدباء والقضاة. وانتقد بيقوني عمليات الهدم العشوائية للمباني العربية الإسلامية القديمة وعدم العناية بما يخدم المعرفة التاريخية للبلاد واكتشاف الروح الفنية عند الجزائريين عبر العصور. واعتبر النقيشة إحدى الأمثلة العديدة على ذلك.
لقد قص بيقوني قصة مأساة النقيشة التي ترجع إلى زاوية ابن محجوبة وكيف عثر عليها. يقول إنه أجرى بحثا طويلا سنة 1878 في قسنطينة لمعرفة الآثار القديمة ومواقعها وما كان فيها من كتابات ورسومات فلم يجد أحدا