والواقع أن الأمر كما قال هذا المعقب، فالعرب اهتموا بالكتب أكثر من الآثار، والفرنسيون اهتموا منذ الاحتلال بالآثار الرومانية أكثر من الآثار الإسلامية، بل إنهم أهملوا هذه تمام الإهمال صيانة وبحثا وتدوينا. ولم يبدأ التحول قليلا إلا مع إدارة جونار في أول هذا القرن. ولكن القرن الماضي لم يخل من دارسين للمعالم الإسلامية، كما رأينا، فقد اهتم بعض المدنيين والعسكريين بالكتابة عن الآثار الدينية في مدينة الجزائر (ألبير دوفوكس وكلاين)، وفي قسنطينة وإقليمها (شيربونو، وفيرو، وفايسات، وميرسييه)، وفي تلمسان (بروسلار، ومارسيه، وبارجيس). ولكن عمليات الإحصاء والدراسة العلمية والوصف المعماري والفني بدأ مع عهد جونار، كما أشرنا.

إن ما بقي من مساجد العاصمة الـ 122 لا يعدو أربعة مساجد من النوع الذي تقام به صلاة الجمعة. ويشهد جورج ايفير سنة 1913 على أن الفرنسيين قد هدموا ستة وستين مسجدا في العاصمة وحدها. وفي تلك الأثناء (أول هذا القرن) كانت المخططات الفرنسية تعمل على هدم الجامعين الكبيرين الباقيين أيضا (الأعظم والجديد) (?) بعد أن تعرضا للتنقيص والتشويه منذ الاحتلال. وكان الجامع الأعظم يقوم مقام (الجامعة) العلمية قبل الاحتلال، وكانت أوقافه من أغنى الأوقاف ومكتبته مضرب الأمثال. فإذا بالفرنسيين قد حشروه وسط العمارات، فتآكلت أطرافه واختفت منارته التي قيل إنها كانت تشبه منارات جوامع تلمسان. وكان تحفة في بنائه إذ تتقاطع فيه العرصات، وتكثر فيه الزرابي والثريات، ويغطي حيطانه الزليج والمرمر. أما الجامع الجديد فقد وقع له ما وقع لزميله وكان من المعالم العثمانية التي تعرضت أيضا للتنقيص، واستولى الفرنسيون على أوقافه الغنية. ويقول عنه ألبير باللو سنة 1904 إنه كان معلما جميلا ورشيقا (بعد كل الذي حدث له)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015