عن هذا الموضوع منذ 1912، ثم طوحت به الحرب إلى مصر والتقى بالشيخ طاهر الجزائري السمعوني هناك ثم خرجت الفكرة في الكتاب المذكور. وهكذا فإن (جرجرة عبر التاريخ) يجب ألا ينظر إليه معزولا عن هذه المعطيات كلها. وفي الكتابين المذكورين ظهرت الروح الأقليمية قوية خلافا لمن كتبوا من قبل تاريخ المدن (قسنطينة مثلا) مجردا عن الإحساس بالأقليمية، بل عبارة عن تسجيل للحوادث، وخلافا أيضا لمن كتب التاريخ الوطني في نفس الوقت، كما فعل الشيخ محمد مبارك الميلي سنة 1929. وقد ألح بوليفة على أن زواوة كانت مستقلة في العهد العثماني عن الإدارة المركزية. وهو إلحاح لم يعجب الفرنسيين أيضا إلا بالمقدار الذي يباعد بين الزواويين والعثمانيين (?).

ظهر بوليفة في ثوب الباحث الجاد في كتابه عن تاريخ زواوة وكذلك في بحثيه قانون عدني وقانون زاوية سيدي منصور. فقدم البحث الأول إلى مؤتمر المستشرقين كما ذكرنا؛ وقدم البحث الأخير إلى الكتاب التذكاري (ميلانج) المكرس لباصيه عشية وفاته (?). ومنذ هذا التاريخ لا نعرف أن بوليفة قد ألف أو نشر أعمالا أخرى. فلم يعترف به الفرنسيون معلما ابتدائيا إلا سنة 1922، كما أشرنا، ثم تقاعد سنة 1929، ووافته المنية في 8 جوان 1931، بالغا من العمر حوالي ستين سنة (?)، ورغم أنه عاش حتى أدرك الاحتفال المئوي بالاحتلال، فإنه ترك وطنه وقد استفاق وتكونت فيه الأحزاب والجمعيات وارتفعت فيه أصوات الوحدة والحرية والاستقلال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015