لينجحوا في مهمتهم. وقد فهموا ذلك رغم غيرتهم على لغتهم التي كانوا يسمونها (لغة السادة). وفهموا أنه لا التركية ولا اللهجات العربية أو البربرية ولا الخليط الساحلي الإفرنكي (اللغة الإفرنكية) سيجعلهم يفهمون الجزائريين وتراثهم. لذلك عقدوا العزم على تعلم العربية مهما كان الثمن، وبرروا ذلك بأنه لا يمكن مطالبة المغزوين (الجزائريين) بتعلم لغة الغزاة (الفرنسيين) فورا. (وكان الرأي العام كله مع هذه الفكرة (حسبما جاء في كتاب فور ميسترو Fourmestront) (?) .

ولقد أكد ذلك أكثر من واحد خلال فترة الاحتلال الأولى. فهذا بريسون، المتصرف المدني سنة 1836، كتب إلى المفتش العام للتعليم قائلا إن مهمة فرنسا في الجزائر تتوقف على دراسة اللغة العربية والتوسع فيها، من أجل التعرف على الأهالي والاتصال بهم، كما أن الاستعمار نفسه (الإستيطان واستغلال الأرض) يتوقف على معرفة اللغة العربية. ولا يكفي في ذلك الاعتماد على المترجمين. ومن جهة أخرى أكد بريسون على ضرورة دراسة اللهجات أيضا كلما توسع الاحتلال في الجزائر، وأخبر أن الإدارة سوف لا تقبل مستقبلا من الفرنسيين إلا الذين يعرفون العربية والفرنسية (?).

وفي نفس هذا المعنى أعلن الدوق دورليان، وهو ابن الملك لويس فيليب، وقد شارك في حملات عسكرية، واجتاز مع الجيش الفرنسي مضائق البيبان قادما من قسنطينة إلى العاصمة عن طريق البر سنة 1838، وهو الاجتياز الذي تسبب في أزمة بين الأمير والفرنسيين. قال دورليان إن معرفة اللغة العربية ضرورية لتقريب الفرنسيين من الجزائريين، وأن جيشه الذي عبر البيبان كان يعرف العربية من ثمة كان نجاحه في العبور. ولم يكن في حاجة إلى مترجمين لأن هؤلاء قد أساؤوا في نظره أكثر مما أحسنوا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015