وليس من غرضنا تتبع حياته وإنجازاته، وإنما الإشارة إلى أنه كان من أوائل المنادين بمنح التمثيل النيابي للجزائريين في البرلمان الفرنسي لكي يسمعوا صوتهم ويعرف النواب حقيقة ما يجري في الجزائر. ولم يكن جوريس وحده في ذلك ولا كان هو الأول. فقد كان هناك تيار اشتراكي كامل مثله هو وغيره (?). ولكن الاشتراكيين الفرنسيين تخلوا عن رسالتهم وساندوا الحرب العالمية وأيدوا استغلال الشعوب والاستعمار، وهم في أوروبا غيرهم في الجزائر والمستعمرات، وفي المبادئ غيرهم في التطبيق. فكانوا وبالا على الشعب الجزائري، ولا سيما منذ انفصالهم عن الشيوعيين غداة الحرب العالمية الأولى. وقد كان منهم موريس فيوليت، صاحب المشروع الاندماجي الخطير بين الحربين، ثم منهم قي موليه ولاكوست وميتران، زعماء حرب إبادة الجزائر (الذين آلوا على أنفسهم أن يحتفظوا بالجزائر الفرنسية) إلى الأبد.
ولم يختلف عنهم زملاؤهم الشيوعيون كثيرا إلا في التفاصيل. فرغم أن هؤلاء تشجعوا بالثورة الروسية ومبادئ تقرير المصير، وتغيير وجه العالم بين الحربين، فإنهم ظلوا بصفة عامة مع الامبراطورية الفرنسية وضد استقلال الجزائر. وساهموا في إبقاء الجزائر ممزقة بالمفهوم الفرنسي - شعوبا وقبائل لتنافروا - وظلوا ينفون وجود (الأمة الجزائرية)، لأن ما عانته الجزائر من دعوات جهوية وصيحات باسم (الثقافات) المحلية إنما هو من نسيج هذه المدرسة الاستعمارية التي لم يتخل عنها الشيوعيون. وقد حاول هؤلاء دمج الجزائريين في التيار الشيوعي العالمي لا أن يعترفوا بحقهم في الحرية والاستقلال كشعب واحد له هوية خاصة، ورغم تعديل مواقفهم ومواقعهم بعد الحرب العالمية الثانية فإنهم ظلوا بعيدين عن المفهوم الوطني وانتماء الشعب الجزائري للحضارة العربية الإسلامية. ومع ذلك يجب القول إن المدرسة الشيوعية عموما قد أخرجت عناصر جزائرية معادية للاستعمار،