بيرم الخامس الوضع عند زيارته للجزائر في القرن الماضي بقوله عن السلطات الفرنسية والمساجد (وفي كل بلد (بلدة) اقتصرت (السلطات) على عدد من المساجد مخصوص تقوم به، وتصرفت في غير ذلك بما يناسبها، وحرمت المستحقين من مال الأوقاف الذي هو مالهم، مثل أوقاف الحرمين) (?).
لم تكن الجزائر في حاجة إلى مساجد عندما احتلتها فرنسا، ولم يكن الشعب عاجزا عن إنشاء المساجد والمحافظة عليها، فالوثائق الفرنسية تشهد أن الأعراش كانت تبني المساجد من تلقاء نفسها، رغم الحرمان والفقر والحروب ومصادرة الأراضي، ويذكر تقرير يرجع إلى سنة 1846 - 1849 أن ثلاثة مساجد بنيت في البليدة، وستة في أم السنام (الأصنام)، واثنين في معسكر، وواحدا في كل من سور الغزلان وسكيكدة، وقالمة، وسطيف وباتنة (?). فالمجموع ستة عشر مسجدا قيل عنها إنها بنيت من أموال الأعراش والقبائل وليس من ميزانية الإدارة الاستعمارية.
وفي إحصاء آخر يرجع إلى سنة 1851 أن في الجزائر، المحتلة عندئذ، 1، 569 مسجدا، منها 75 في المناطق التي أطلقوا عليها مدنية (أي المدن الساحلية وما حولها) موزعة كالتالي: 33 في إقليم الجزائر، و 28 في إقليم قسنطينة، و 14 في إقليم وهران، أما المساجد في المناطق الريفية (البادية أو العسكرية) فتبلغ 1، 494 مسجدا، منها 951 في إقليم قسنطينة، 947 في إقليم الجزائر، 194 في إقليم وهران، ولكن هذه المساجد كلها (عدا المصنفة التي سنذكرها) لا يحصل القائمون عليها على أي راتب لا من الأوقاف التي صودرت ولا من ميزانية الحكومة الفرنسية، غير أن التناقض يظهر في أنهم (الأئمة) جميعا كانت تعينهم السلطات الفرنسية للإشراف عليهم سياسيا فقط (?).